باب أحمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي (1762- 1826م) ودوره في تأسيس المدينة
ـ إذا كانت ولاتة قد استفادت في ازدهار إعمارها من خراب "كومبي صالح" على يد "الصوصو"مطلع القرن الثالث عشر الميلادي وذلك باستقطاب ونزوح بعض من ساكنتها المحلية؛ فإن مدينة "النعمة" نشأت من رحم ولاتي خالص؛ من خلال انتقال جزء أصيل من النسيج الاجتماعي الولاتي،بسبب الأزمة الحادة التي عاشتها "ولاتة" مستهل القرن التاسع عشر بين شرفاء المدينة؛ والتي انفرجت بخروج أهل مولاي الصالح ومعهم أحلافهم من أديلبه وأبدوكل ليؤسسوا قصر "النعمه" .
ـ تدخل سلطان أولاد أمبارك أعمر ولدأعل ولد أعمر(العيمار) في الموضوع ونزل بجيشه ولاته بعدما استعان به أب كروم بن مولاي أمحمد ولد مولاي صالح، لكن تدخله لم يُجْدِ شيئا بل تصاعد النزاع.
ـ تلقَّى باب أحمد ولد الشيخ سيدي المختارالكنتي تكليفا من والده بالذهاب إلى ولاته ،والعمل على حل الأزمة الحاصلة بين الشرفاء. وقد كان انخراط الشيخ سيدي المختارالكنتي، بموضوع أزمة ولاته، منسجما مع فهمه العام لولاية المؤمنين بعضهم بعضا وشعوره بنوع ما من المسؤولية عن رعايته لشأن الإقليم وأهله؛ ومن جهة أخرى لاهتمام خاص يتعلق بالشرفاء، ولكونه يعرف أهل ولاته ويعرفونه حق المعرفة إذ أنه عاش بينهم سبع سنوات في جوار ضريح جده الشيخ سيدي أحمد البكاي بودمعة .ومن الوارد أن يكونوا كلا أو بعضا استدعوا تدخله بعد تفاقم المشكلة، لا سيما أنه كان المؤهل والأكثر وجاهة ونفوذا وأمانة في التعاطي مع الموضوع وعلى هذا الأساس فقد تمكن مبعوثه، ابنه: (سيدي باب أحمد) من تسوية الأزمة. وتورد مصادر عديدة بعض مضامين وأوجه ذلك. التدخل وعلاقات سيدي باب أحمد بأهل "قصر النعمه" لاحقا.
ـ كان لباب أحمد ولد الشيخ سيدي المختار الكنتي دور مهم في مبادرة تأسيس مدينة النعمة إلى جانب "الشريف المؤسس" مولاي إسماعيل وإخوانه ،حيث تقول الروايات الشفوية المتواترة إن باب أحمد ساهم في شراء موقع مدينة النعمة الحالية من ملاكه الأصليين .وهذه الروايات الشفهية المتواترة تحدث عنها أكثر من كتاب ومن ضمن تلك العناوين نورد ما يلي :
1ـ كتاب "موريتانيا، الوقائع والوفيات وذكر الحروب والإغارات" ص/ 46-47 للمؤرخ والقاضي بيَّه ولد سليمان الناصري، ومما جاء فيه : ( في عام 1222هـ وقعت البطحاء بين شرفاء ولاتة يوم الجمعة ختم البخاري لستة وعشرين من رمضان بين أولاد مولاي صالح من جهة وأولاد مولاي عبد الهادي من جهة وتوفي الحسن بن مولاي عبدالله شيخ العافية والهيبة وأخوه سيدي محمد بن مولاي عبد الهادي ،وهذا هو سبب إنتقال أهل مولاي صالح من ولاته وسكناهم النعمة .وفي 1223هـ خرج أهل مولاي صالح من ولاته وبنوا النعمة ويحكي أن باب أحمد بن الشيخ سيدي المختار هو الذي حملهم على مائة من الإبل حتى أنزلهم بمكان النعمة وخرج معهم كل من أبدوكل وإيديلبه).
2ـ كتاب "روايات أصول المجتمعات البيظانية" لعالم الأنتربولجيا الفرنسي "بيير بونت"، ترجمة الدكتور محمد ولد بواعليبه. صفحة 469 ؛ حيث ذكر مايلي :)...لقد وجدوا مرتبطين ببعض البطون الكنتية الشرقية وخاصة المنحدرين من باب أحمد ولد الشيخ سيدي المختار،...وباب أحمد نفسه مدفون بآشميم قرب النعمة ،وهو صاحب مبادرة بناء النعمة .بينما كان يرتجل في تلك المنطقة جاءه شرفاء ولاته لينهي صراعا داخليا بينهم.فعمل لهم حجابا لكي يستطيعوا الاستقرار بالنعمة.وقد احتفظ الشرفاء بطبل باب أحمد التماسا لبركاته).
3ـ "كتاب سير نبلاء الحوض الغربي" للدكتور محفوظ ولد محمد الأمين. ص23-27
ـ استقر سيدي باب أحمد - رحمه الله - في منطقة الظهر بالقرب من "أشميم" وتحديدا بـ:"مفتاحة" - وبها روضته؛ وذلك نزولا عند رغبة أخيه الشيخ سيدي محمد الخليفة الذي طلب منه : أن يثوي هناك من جهتهم.. وليخرج عن غمَّاء أهل الحوض....".لكنه ظل قريبا من الشأن النعماوي ومَعْنيا به لأسباب روحية و اجتماعية وسياسية ومع ذلك فقد حرص أن يكون نعماويا منذ البداية فكانت له إحدى الدور الأولى التي بُنيت في "القصر" كما كان له ولأولاده من بعده نخيل في "إبحيره" وذلك إجلالا منه لمقام الشرف و حرصا على التمتع ببركة جوار الشرفاء وحلفائهم من أهل العلم وإسهاما في إعمار مدينتهم الجديدة .
ـ واستطرادا.. تقول المرويات الشفوية المتطابقة عند بعض أحفاد سيدي باب أحمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي إن والدهم قد سأل الله في خضم مغادرة "ولاته" و ترغيبا في نزول " النعمة " أن لا تكون الأخيرة أي (النعمه) محتاجة للأولى (ولاته) في أي شيء من ميرة أو تموين .وفي هذا الصدد يروي الشيخ سيدي أعمر ولد سيدنا الذي كان حاكم "مقاطعة جكني" في بداية سبعينات القرن الماضي نقلا عن العالم والفقيه المؤرخ الشيخ المحفوظ ولد بيه أمورا تخص سيدي باب أحمد وأهل النعمه من ضمنها واقعة تدخل فيها سيدي باب أحمد خلال أحد أعوام القحط للتأثير في تجارة الحبوب في الحوض من منظور الحفاظ على الأمن الغذائي لمدينة النعمة كأولوية .
ـ ويبقى من العجيب هو مصادفة تأسيس "النعمه " في بواكير القرن التاسع عشر مع تصاعد التمركز الأوروبي على شواطئ غرب إفريقيا والانسياح في الداخل الإفريقي وتحول التجارة وانصراف القوافل عن المسارات الداخلية الصحراوية - والتي تعتبر"ولاتة" إحدى موانئها الرئيسية - نحو التبادل مع الشواطئ الأطلسية والمراكز الأوروبية الجديدة وبذلك ستكون الحركة التجارية مع "إندر" و "خاي" وغيرهما أقرب إلى "النعمة" منها إلى "ولاته" .
ـ والأعجب هو أنه عندما قدم الاستعمار الفرنسي للحوض سنة 1912م تمركز أول أمره في "ولاته" و بنى بها قلعة كبيرة لكنه سرعان ما انتقل إلى "النعمة " ليكون في موقع أفضل وأقرب للتصدي الفعال لمقاومة "أهل عبدوكَه" مما أعطى للنعمة أفضلية إدارية ولوجستية لاتزال قائمة حتى اليوم .
الأستاذ أحمد باب احمد حم الأمين رئيس مجمع الشيخ سيدي المختار الكنتي الثقافي الاسلامي في موريتانيا