محمد المنير.. كيف يتم حجب واقع البلد عن الرئيس غزواني؟

خميس, 12/02/2021 - 14:07

لم أستغرب الخطاب الهلامي الذي ألقاه رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الاستقلال و الذي صعق جُل الموريتانيين، فالرئيس يمضي حياته اليومية في عالم شبه افتراضي لا علاقة له بواقع الشعب.

فعندما يكون في الخارج، يعيش في أرقى الفنادق و يمضي وقته مع رؤساء العالم، في قصور فارهة. جُلُّ الذين يلتقي بهم قد وفروا لشعوبهم ظروف العيش الكريم، من تعليم و صحة وخدمات و بنى تحتية، وبالتالي لا يتحدثون معه إلا في مواضيع استراتيجية كالمناخ والأمن، بل لا يدركون أن هناك شعبا بائسا، ما زال يبحث عن لقمة العيش، في ظل دولة تراوح مكانها منذ نصف قرن، ويتم نهبها بصفة اجماعية و ممنهجة من طرف نخبها.  

وعندما يرجع إلى موريتانيا، ينزوي في قصر رمادي، تحيط به زمر من المستشارين و الوزراء، الذين بدورهم لا يعرفون من البلاد إلا "إمارة" تفرغ زينه، شغلهم الوحيد أن يقلبوا له الحقائق، بحثا عن مرضاته، لا عن مصلحة الشعب والدولة، فيصوروا له واقع الموريتانيين المرير على أنه حياة مثالية من السعادة والهناء، بفضل التعليمات النيرة والانجازات الجبارة لفخامة رئيس الجمهورية.

إنْ خرج لزيارة مرفق عمومي، يتم تحضيره و تزيينه مسبقا حتى يظهر على أحسن وجه. أما في الداخل، فموريتانيا الأعماق، بوجهائها وشعرائها، كفيلة بأن تقنعه أنه المنقذ والمخَلّص والباني. إذا قام بزيارة لولاية داخلية تأتيه "إمارة" تفرغ زينه بخيلها ورجلها وتسبقه بطبولها وسياراتها الرباعية و أطرها حتى لا يحس أنه خرج منها. أما الصحافة الرسمية فهي لا تهتم بظروف المواطنين ولا معاناتهم ولا تنقل أخبارهم، فدورها يختصر على التلميع و التلميع ثم التلميع. 

إذن، الرئيس لا يدرك و لا يرى بؤس الشعب ولا مآسيه. ولا يُراد له أن يطَّلِعَ على ذالك، فهو رهينة لما ينبغي أن يطَّلِعَ عليه، حسب قرار النافذين من مفسدين و جنرالات، كما أنه من الوارد التساؤل هل لديه فعلا الإرادة الصادقة و الاستعداد لمعرفة و مواجهة واقع الموريتانيين المزري.

إذا كان الرئيس يسعى فعلا لمعرفة واقع الموريتانيين البائس، فما عليه إلا أن يركز على التواصل الإيجابي مع المواطنين. يتعين عليه أن يستيقظ كل يوم في الساعة السادسة صباحا والنزول من برجه العاجي إلى الشارع، ليكتشف الكيفية الصادمة لتقديم الخدمات من طرف المرافق العمومية، عليه أن يرسخ في أذهان الجميع أنه سيقوم يوميا بزيارات مفاجئة لبعض القطاعات، عليه القيام بجولات يومية لمتابعة تنفيذ المشاريع و زيارة المستشفيات و المدارس والأسواق. عندما يلتقي بالمواطنين في الأحياء الشعبية و العمال في الورشات والشباب العاطل عن العمل، عندئذ سيستشعر نبض الشارع وسيقوم بمساءلة ومحاسبة المسؤولين العموميين.

مثل هذه المقاربة ستعطي انطباعا بأنه رئيس جدي، يستيقظ باكرا ويهتم بشؤون المواطنين. وهذا ما يُتوقع من رئيس دولة، لا أن يبقى في قصره بين عشرات الحراس والمستشارين وكأن الأمر لا يعنيه.

إن الرئيس الذي يستيقظ مبكرًا ويشمر عن سواعده سيغرس ديناميكية إيجابية ويجبر الوزراء على العمل و النزول إلى الميدان. كما سيؤدي هذا النهج إلى إجبار الموظفين والمسؤولين العموميين على الاستيقاظ مبكرًا جدًا للذهاب إلى مكاتبهم.

عندئذ ستكون خطابات الرئيس مستمدة من الواقع وسيفهم معاناة هذا الشعب وكذب وتلفيق أغلبية المستشارين والوزراء، الذين يطمسون الحقيقة ويقلبون له الأمور. كما سيُحس الشعب أن له قيادة تفهم معاناته و تهتم بانتظاراته وتطلعاته.