عُرض قبل أعوام في مهرجان برلين السينمائي الدولي، في ألمانياً، فلم ”جسد العروس“ للمخرجة الإيطالية ميشالا أوشبينتيني، وهو فلم روائي يسلط الضوء على ظاهرة ”التسمين القسري“ للنساء في موريتانيا، ويأخذ من ”الجمال“ تيمة له.
يتتبع الفلم الذي تبلغ مدته 94 دقيقية، قصة (فريدة) فتاة موريتانية، تعيش في نواكشوط، مهوسة بمواقع التواصل الاجتماعي، تدير صالونا للتجميل تعود ملكيته لجدتها، تقدم لها خاطب، لكنه يشترط أن تزيد الوزن، ليسرد الفلم رحلتها في البحث عن ”الوزن المثالي“ ويعرج على آليات التسمين القسري الذي يطلق عليه محليا ”لبلوح“، بما فيها أدوية تباع في السوق السوداء.
كتب موقع إيطالي متخصص في السينما تعليقا في على الفلم قائلا ”من حسن الحظ، لا يوجد شيء إيطالي في (جسد العروس) إنها قصة جميلة تأتي من العالم دون أن تشبه أي شيء آخر“.
ولكن ما الذي دفع مخرجة إيطالية لتناقش ”التسمين القسري“ في موريتانيا ؟ هذا السؤال تجيب عليه ”ميشالا” في مقابلة صحفية على هامش الفلم، حين تقول: ”منذ سنوات كنتُ أنظر في المرآة وأحسستُ أنني أعاني من الشيخوخة، لم أكن سيعدة بذلك، وبدأتُ أسأل نفسي: لماذا لستٌ سعيدة بذلك.. مالمشكلة ؟“، تقول المخرجة الإيطالية البالغة من العمر 50 عاما.
تتحدث ميشالا أوشبينتيني، مخرجة الأفلام الوثائقية، عن الأسباب التي دفعتها لتصوير فيلمها الروائي الأول في موريتانيا، فتقول: ”الشرائع الجمالية تختلف من مجتمع لآخر، من ثقافة إلى أخرى. ليس المهم أن نحصل على الدهون أو نفقد الوزن، ولكن طريق الإهانة والمعاناة العاطفية التي تنطوي عليهما. لماذا يجب أن أخسر الوزن؟ لماذا يجب أن أقوم بعملية تجميل لتجاعيدي ؟ من يكتب هذه القواعد؟“.
أسئلة قادت المخرجة الإيطالية إلى نواكشوط، لتُخرج فلمها الذي حاز على إعجاب الكثير من النقاد على هامش مهرجان برلين السينمائي الدولي.
نمطية.. أم رؤية أخرى للجمال ؟
قد يبدو من موضوع الفلم ”التسمين القسري“ مجرد استمرار لرؤية استشراقية تضع المرأة الموريتانية، في قالب غرائبي دائما، ربما كان الكثيرون ينتقدون كثرة تناولها من طرف وسائل الإعلام الأجنبية.
المقطع الترويجي للفلم تُسوق فيه صورة نمطية أخرى، هي أن المرأة الموريتانية تزداد قيمتها في المجتمع بالطلاق، وأن الجميلة هي التي تُطلق كثيرا، بينما القبيحة هي من تبقى مدى الحياة لزوج واحد، يأتي هذا على لسان صديقة البطلة، التي تقول إنها تطلقت بعد خمسة أشهر من زواجها .
لكن الفلم حسب النقاد، يسلط الضوء على ظاهرة ”تأطير“ الجمال، ضمن رؤية واحدة، سواءَ كانت بنقص الوزن أو زيادته، وهي ظاهرة ترى المخرجة أنها ظالمة للمرأة.
الطريق إلى برلين..
كان العرض الأول للفلم في مهرجان برلين السينمائي الدولي، إلا أن طريق أبطال الفلم إلى برلين لم يكن سلساً، إذ كادت التعيقدات “البيروقراطية”، أن تحرم أبطال الفلم من السير على ”السجادة الحمراء“ في واحد أكبر مهرجانات الفن السابع في العالم.
اشترط الجانب الألماني، أن يكون للممثلين أرصدة بنكية، وهو ما لم يتوفر عند هؤلاء الممثليين الهواة، ما دفع المخرجة لخوض معركة استمرت لأكثر من شهر، انتهت قبل أيام قليل، لتتمكن فريدة أحمد الديش، وآمال سعد بوه الحضرامي، وعيشةُ عبد الله الناجم، وسيدي محمد ولد شيغالي من الحضور لمهرجان برلين السينمائي.
نادر هو التواجد الموريتاني في المهرجانات السينمائية الأوروبية والعالمية، باستثناء مشاركات متباعدة، للمخرج السينمائي الموريتاني، عبد الرحمن سيساغو، الذي بالمناسبة، قدم تسهيلات بحكم علاقاته وساعد في الإنتاج، كما تقول المخرجة.
الفلم واجه في البداية مشاكل في الحصول على ترخيص للتصوير، بسبب موضوعه الاجتماعي المعقد، لكن أحد أعضاء فريق عمل الفلم أكد أن تأخر الترخيص لا علاقة له بالموضوع.
وحتى وإن كان هذا الفلم غير موريتاني الإنتاج والإخراج، إلا أنه يعيد السؤال حول موضوعات كبيرة في المجتمع الموريتاني، ربما تحتاج إلى التفكيك بعيون موريتانية، وهو أمر لا تبدو الظروف الحالية السينمائية جاهزة له، ليس أقلها غياب الإنتاج ورأس المال الجبان، ومجتمع قد لا يرحب بطرق موضوعاته الكبرى على شاشة صغيرة.
وعندما سئلت مخرجة الفلم، إذا ما كان الفلم سيعرض في موريتانيا، أجابت أنه لا توجد دار سينما في البلاد، لكنها ستسعى لعرض الفلم في موريتانيا، ربما في الهواء الطلق.