الشرق والغرب والصراع الأزلي/ أبي محفوظ

سبت, 03/01/2025 - 15:28

يلاحظ أن الانقسام على الشرق والغرب انقسام أزلي وهو اختلاف في الثقافية بدلًا من أن يكون معتمدا على الجغرافيا في تقسيم حدود الشرق والغرب، وبالملاحظة البسيطة يدرك المتأمل أن هذه الحدود ليست مُثبَتَة، ولكنها تتغير بحسب المعايير الثقافية التي يتبناها الأفراد حين يستعملون هذا المصطلح، وله وجود في اغلب البلدان المشابهة في الثّقافة، ويوجد أيضا على مستوى المعمورة، وهو إذن صراع اجتماعي ثقافي لا جغرافي.

وحين ننظر لواقعنا وفي منكبنا بمعزل عن واقع الغير؛ فسَيَتَبَيّنُ وبِوُضُوح منقطع النّظير أن الاختلاف والخلاف المنبثق عن ذلك؛ كان مصدره ثقافيا. ويجب علينا التفكير في الموضوع بروية وحكمة، بدل الانجراف خلف العاطفة والنزعة الجهوية.

تظهر على السطح بعض التصريحات المُنْتِنَة الفَائحَة برائحة الجهوية المَقيتة، ويتداولها من يوصفون بالثقافة -مع التحفظ على ذلك الوصف- ويصفون الدولة بدولة أهل "الشرك" والحكم بحكم أهل "الشرك" ويرتبون على ذلك من النقد الجارح مالله به عليم، ولا يبرح أحدهم مكانه في النقاش والنفد الذي يذكر فيه الدولة ويضيفها بدولة أهل الشرك حتى يُذَكِّرَ بدولة أهل اتْرارزة وأنها كانت دولة عمرية في النموذجية، وأن الانقلاب كان بسبب تآمر ضباط ووزراء أهل الشرك وعمالتهم للمستعمر؛ حين أراد المرحوم المختار الخروج عن الطوع لفرنسا بسك العملة والخروج عن الافرنك الافريقي الموحد، ثم ببناء ميناء بالتعاون مع الصين الشعبية وغيره.

وفي هذا السياق  يجب الانتباه إلى أن الانقلابات العسكرية لا توصف عادة بالجهوية لانضباطها في سلك منتظم بقوانين وتقاليد عسكرية ليس للجهة فيها مكان ولأن اسغلالها في هذا السياق هو استغل سيء وطرح غير محايد. كما يجب التنبيه إلى أن تجربة الانقلابات والاحكام الشمولية العسكرية لا تتميز بها موريتانيا عن غيرها، وإلى أن التجربة الديمقراطية التي يحاول هؤلاء أن ينيطو فشلها -إذا جاز وصفها بذلك- بأهل "الشرك" وكثرة أصواتهم وتزوير إراداتهم مرده أن حزب أحمد ول داداه لم يحصل على تزكية شعبية ولم يصل إلى الحكم، ولو قُدِّرَ له ذلك لما كان المَوقِف من أصوات أهل "الشّرك" هو الوقف نفسه الآن، لأن أصوات أهل كوبني أيام معاوية ليست أكثر من أصوات واد الناقة في انتخابات لاحقة عليها، ولم توصف من لدن هؤلاء بما وصفت به أصوات كوبني.

بعد هذه المعطيات التي تسلط بعض الضوء ولو قليلا على الواقع يبقى أن نربطه بالثقافة التي هي السبب الأول للانقسام على الجهة والصراع تبعا لذلك، وسيتضح أن مشكلة الثقافة التي واجهت هذه الدعاية ضد حكم أهل "الشرك" في بدايتها حين دخل "الشمال" على الخط وفي المواجهة -محتشما- من خلال أزمة العشرية، فحاول ربط المشكلة "بالزوايا" وحملهم كل الأزمات التي يمر بها البلد، وكأن رأس النظام ول الشيخ الغزواني هو من يتحمل مشكلة الأزمات الاقتصادية التي كانت تعيشها موريتانيا من الاستقلال إلى اليوم، وفشل التنمية على جميع المستويات؛ الاجتماعية (الهوية) والثقافية (التعليم) والاقتصادية (النمو ومستوياته) والناتج المحلي ومسويات دخل الفرد وووو المديونية والبنى التحتية والمشاريع التنموية والتبعية الاقتصادية حتى على مسوى الأمن الغذاء (الطماطم) مثالا.

بعد أن فشلت دعاية أهل الشمال ومحاولة ربطهم للمشكلة الوطنية بالزوابا كردة فعل على ملف العشرية ولأن المشكلة الثقافية بين الشرك والغرب قائمة في أساسها على الهوية الناتجة عن "شر بب" (لعرب وأزواي) ولم يشارك "الكبلة" في تسويق دعاية الشمال تبعا لذلك؛ أعاد دعاية دولة الشرك ومحاولة اناطة فشل الدولة في جميع المجالات بقيادة ولد الشيخ الغزواني، وتحميل "الشرك" مسؤولية ذلك الفشل -إذا كان موجودا- في محاولة لترجمة الثقافة التقليدة سياسيا، وإقحامها في الصراع الثقافي دون مبرر.

يظهر ذلك من خلال الكتابات المنحازة لبعض أدعياء الثقافة، وادعاءاتهم المتكرر في خرجاتهم بأن التوظيف والتعيين والمشاريع التنموية وغيرها باتت من نصيب أهل الشرك دون الكبلة، وأنه قد أصبحت ثمة طبقة من رجال الأعمال يعمل النظام على ايجادها لم تكن موجودة، كما لو كان تاريخ حكم "الكبلة" لم توجد فيه هذه الطبقة، وكما لم تخلق هذه الطبقة أيام حكم "الشمال" في ظرف وجيز جدا، وأن حكم أهل الشرك تبعا لذلك حكم جائر مستبد.

صحيح أن صراع الشرق والغرب هو صراع أزلي كما يبدو، ولا تختص به رقعتنا الجغرافية، بل يوجد في دول الجوار ويمتد إلى مصر من غير الدول المجاورة وغيرهم، لكن استغلاله بهذا الشكل؛ هو استغلال رخيص انفرد به منكبنا المنكب على تسويق التفاهة والتافهين، ونشر أخلاقيات التخلف في عصر يوسم بغير ذلك.

على الطريق