يوم الاثنين 25 سبتمبر، في نفس اليوم الذي أجرت فيه سلطات #إقليم_كردستان العراقي استفتاء للانفصال عن العراق، تبنى مجلس النواب العراقي جملة من القرارات القوية رداً على هذا الاستفتاء.
ولعل أبرز تلك القرارات هي التي شملت المناطق المتنازع عليها، وأهمها محافظة كركوك المنتجة للنفط، (بالإضافة إلى بعض المناطق في محافظة نينوى وصلاح الدين وديالى) محافظة لا يريد الكرد الاستقلال من دونها، في حين تؤكد بغداد على عراقيتها.
منطقة ربما يكون النزاع عليها شرارة حرب بين الأكراد والحكومة المركزية العراقية حيث أكد رئيس إقليم كردستان عدة مرات عدم التخلي عن كركوك.
ومن بين القرارات التي صوت النواب عليها مطالبة رئيس الوزراء حيدر العبادي بإعادة نشر الجيش العراقي في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، بما فيها محافظة كركوك.
كما صوت البرلمان العراقي أيضاً على "دعوة الحكومة العراقية المركزية لإعادة حقول النفط في المناطق المتنازع عليها، بحيث تبقى تحت إشراف وسيطرة وزارة النفط العراقية".
كركوك ومحاولات التغيير الديموغرافي
لطالما طالب الكُرد بضم كركوك الغنية بالنفط إلى مناطقهم واعتبروها منطقة كردية. يبدو أن معرفة أصل المحافظة، صعب في أيامنا هذه خاصة أن المنطقة شهدت حروبا تخللتها محاولات لتغيير ديموغرافيتها.
ويقول بعض المطلعين إن أصل المحافظة تركماني، لكنها شهدت "حملات تعريب شملت التهجير القسري والتعريب الثقافي للتركمان والكرد" في المنطقة.
وبعد أن قام الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بإسقاط النظام العراقي السابق في عام 2003، أصر الأكراد على ضم #كركوك لإقليمهم في الشمال. وبما أن العراق كان بحاجة إلى وفاق مجتمعي وسياسي آنذاك، أقر البرلمان العراقي وبوساطة أميركية المادة 140 من الدستور.
وتنص المادة 140 من الدستور على تطبيع الأوضاع في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في المحافظات الأخرى مثل نينوى وديالى، وحددت مدة زمنية انتهت في 31 ديسمبر 2007، لتنفيذ كل ما تتضمنه المادة المذكورة من إجراءات، فيما أعطت لأبناء تلك المناطق حرية تقرير مصيرها سواء ببقائها وحدة إدارية مستقلة أو إلحاقها بإقليم كردستان عبر تنظيم استفتاء.
بارزاني: المادة 140 أنجزت
لكن المادة 140 من الدستور العراقي لم تطبق رغم انتهاء الفترة الزمنية التي نصت عليها. رغم هذا استطاع الأكراد السيطرة على كركوك والكثير من المناطق المتنازع عليها بعد الهزائم التي مني بها الجيش العراقي، مقابل تقدم مسلحي #داعش صيف عام 2014.
وفي الصيف نفسه، قبل أن يهاجم داعش مناطق سيطرت عليها قوات البيشمركة الكردية، أعلن مسعود بارزاني في مقابلات عدة أن إقليم كردستان ليس معنياً بالمشاكل العراقية الداخلية، وحان الوقت كي يبحث الكُرد عن مصيرهم وأن يقيموا استفتاء للاستقلال. ولكن تنظيم داعش أخر الخطط الكردية.
وبعد أن سيطرت البيشمركة على كركوك، قال بارزاني في مؤتمر صحافي مشترك عقده في أربيل مع وزير الخارجية البريطاني السابق، ويليام هيغ، إن "دخول قوات البيشمركة الى محافظة كركوك أنهى المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها".
اتهامات بـ"تكريد" كركوك
وبعد أن تقدم داعش نحو #أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، خاضت قوات البيشمركة الكردية وبدعم من التحالف الدولي حرباً شرسة ضد التنظيم المتطرف وكانت محافظة كركوك إحدى المناطق التي شهدت الحرب، ولكن بموازاة المعارك، صدرت تقارير تتهم القوات الكردية بالعمل ضد سكان العرب في المحافظة.
وفي تقرير صدر في 14 نوفمبر 2016 أكدت "هيومن رايتس ووتش" الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان، تدمير قوات الأمن في إقليم كردستان العراق بطريقة غير مشروعة قرى عربية بأكملها في مناطق تمت استعادتها من تنظيم داعش، وقالت إن بارزاني أبلغها رفضه عودة العرب إلى قراهم لأنها كردية.
كما قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير يضم 78 صفحة بعنوان "الاستهداف بعلامة X تدمير القوات العراقية الكردية لقرى وبيوت أثناء النزاع مع داعش"، إنه تم تدمير المنازل بين سبتمبر 2014 ومايو 2016 في المناطق المتنازع عليها في محافظتي كركوك و #نينوى الواقعتين ضمن سلطة الحكومة العراقية رسمياً، ولكن تتحكم فيهما حكومة إقليم كردستان عملياً، بعد إخراجها مقاتلي تنظيم "داعش"، حيث استهدفت قوات "البيشمركة" التابعة لحكومة إقليم كردستان منازل العرب في حين حافظت على منازل الأكراد، في حين ردّد مسؤولو حكومة إقليم كردستان أن هذه المناطق كردية تاريخيًا، وأنهم ينوون دمجها مع إقليم كردستان. ووثقت هيومن رايتس ووتش عمليات هدم إضافية غير قانونية حصلت في أكتوبر عام 2016.
كردستان يصدر النفط دون موافقة بغداد
الخلافات بين بغداد وأنقرة خاصة في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري #المالكي ، جعلت تركيا تتقرب من حكومة أربيل. وقامت حكومة إقليم كردستان بتصدير النفط عبر تركيا، ما أثار حفيظة الحكومة العراقية.
وفي 6 مايو 2016 قالت وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان العراق في بيان لها "إنه تم تصدير 16 مليونا و890 ألف برميل من النفط إلى ميناء جيهان التركي، خلال نيسان/ أبريل الماضي".
وأضافت "أنه يتم تصدير 563 ألف برميل من النفط يومياً إلى تركيا، موضحاً أن 416 ألف برميل منه تم تصديره من الإقليم، وأن 147 ألف برميل من محافظة كركوك، مؤكداً أن عملية التصدير جرت تحت رقابة شركة النفط الوطنية العراقية "سومو".
وتقول حكومة الإقليم إنها بدأت بتصدر النفط بشكل مستقل بعد أن أوقفت حكومة بغداد ميزانية الإقليم. ولكن بغداد تقول العكس وتؤكد أنها أوقفت ميزانية الإقليم بعد أن قامت أربيل بتصدير النفط من دون موافقتها.
بغض النظر عن الروايتين، فمن المؤكد أن وقف الميزانية أضر اقتصاد إقليم كردستان بشكل كبير وتعتبر أربيل أن النفط سلاحها الأمثل في مواجهة التحديات الاقتصادية، ولذلك لا تريد أن تخسر كركوك بشكل من الأشكال.
سلاح النفط على المحك
يبقى أن إقليم كردستان محاصر جغرافياً من قوى تعارض الاستفتاء. وقد اتخذ كل من العراق وتركيا وإيران خطوات لمعاقبة الإقليم بعد أن بدأت عملية الاستفتاء يوم الاثنين.
تركيا التي كانت داعمة للإقليم بوجه حكومة بغداد، أضحت تهدد الإقليم بنزع سلاح النفط من يديه، حيث لوّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإغلاق خط أنابيب نقل نفط إقليم كردستان العراق، المار عبر تركيا، إلى الخارج، وذلك ردا على إصرار قادة الإقليم على إجراء الاستفتاء حول الاستقلال.
وقال أردوغان يوم الاثنين في كلمة خلال مشاركته في مؤتمر دولي بإسطنبول: "فلنرى بعد اليوم لمن سيبيع الإقليم الكردي في العراق النفط؟ الصنبور لدينا، وعندما نغلقه ينتهي الأمر".
واعتبر أردوغان الاستفتاء على الانفصال عن العراق قراراً غير مشروع، وفي حكم الملغي، دون النظر إلى نتائجه. واصفا إياه بـ"قرار تفوح منه رائحة الانتهازية".
معارضة العرب والتركمان للاستفتاء
لا شك أن كركوك مهمة للعرب والتركمان والأكراد. وفي الأشهر الأخيرة شهدت المحافظة جدلاً بعد أن صوت مجلس إدارة المحافظة برفع علم كردستان على مبانيها الحكومية، وهو قرار اعتبرته بغداد وأنقرة غير دستوري واستفزازي.
وفي الرابع عشر من سبتمبر صوت مجلس النواب العراقي على إقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم من منصبه، وذلك استجابة لطلب رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وجاء قرار إقالة المحافظ بعد أن قررت محافظة كركوك المشاركة في استفتاء انفصال إقليم كردستان المقرر في الـ 25 من الشهر الجاري.
واحتجت الكتلة الكردية في البرلمان على إقالة المحافظ، معتبرة أن هذا القرار صدر عن برلمان عربي وليس اتحاديا. وأكد مجلس محافظة كركوك الذي انعقد في غياب النواب العرب والتركمان على عدم شرعية قرار البرلمان العراقي.
وشهدت كركوك يوم الاستفتاء حضوراً كبيراً للقوى الأمنية الكردية، حيث أرسلت أربيل تعزيزات عسكرية للمحافظة التي حدث فيها نزاع دموي بين الكُرد والتركمان عشية الاستفتاء.
ورغم هذا قال شخوان عبدالله رئيس الكتلة الكردية في البرلمان العراقي لـ"العربية.نت" إن كركوك سوف تشهد استفتاء آخر تحت إشراف الأمم المتحدة لتختار بين العراق وكردستان.
كما اعتبر أمين عام حزب الحق العربي في كركوك حاتم الطائي في حديثه لـ"العربية.نت" أن الموقف العربي واضح وصريح وقد عبر عنه نواب المحافظة العرب في البرلمان العراقي وفي مجلس الإدارة للمحافظة حيث رفضوا الاستفتاء بشكل عام وفي كركوك بشكل خاص.
وذهب سكرتير الحركة التركمانية القومية في كركوك إلى أبعد من حيث هذا، إذ طالب الحكومة العراقية بإرسال الجيش العراقي للمحافظة على الأمن والسلم الأهلي فيها.
فهل تشهد كركوك حرباً كردية-عربية؟
ووسط هذا المشهد المتأزم، يبقى السؤال هل ستشهد كركوك حرباً كردية عربية، خاصة بعد أن طالب مجلس النواب العراقي رئيس الوزراء حيدر العبادي بإعادة نشر الجيش العراقي في المناطق المتنازع عليها، وبعد تأكيد منظمة بدر، أحد فصائل الحشد الشعبي، الاثنين، أن وجهتها القادمة ستكون محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها؟
فقد هدد القيادي في المنظمة كريم النوري، الاثنين، قائلاً إن "وجهتنا القادمة ستكون كركوك والمناطق المتنازع عليها المحتلة من قبل عصابات مسلحة خارجة عن القانون ولا تلتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي"، مبينا أن "كل التحركات ستكون تحت إمرة الدولة العراقية، وسننفذ ما تطلبه منا القيادة العامة للقوات المسلحة، والتي يعد الحشد الشعبي جزءا منها".
كما أن هناك تقارير غير مؤكدة تتحدث عن تحرك عسكري لبعض قوى الحشد الشعبي نحو كركوك.
في المقابل نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن تقريرا للصحافي أليكس ماكدونالد، يشير إلى أن المقاتلين الكُرد الإيرانيين الموجودين حول كركوك، يعتزمون الدفاع عنها في حال نشب صراع مع بغداد.
فهل تشهد المحافظة صراعاً مسلحاً؟
العربية