في ظل تصاعد الاصوات المطالبة بمحاربة الفساد ونهب الأموال العامة وسط تسلل بعض فلوذ رموز الفساد بالأنظمة السابقة من نافذة النظام القائم إلى مفاصل الدولة ، وتدوير بعضها الآخر.
لا يملك المرء سوى مزيد من الحيرة أمام قوة قاهرة تكرس ثقافة الفساد ، وتتخذ من القبلية والمصاهرة والجهوية والولاء، في دولة تملك اغلى موارد العالم ، وتحمل أفقر شعوبه.
هكذا ضرب المواطن الموريتاني كفا بكف ، أمام غياب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد ، في ظل سياسة توارث المناصب ، وتجمع الثروة الوطنية بين ثلة من الافراد والأسر.
فقد كشف مصدر شديد الاطلاع لموقع "صوت" عن قصة غريبة تبين مدى ترسخ ممارسات نهب المال العام والفساد وسوء التسيير في ثقافة القادة والمسؤولين.
وتتحدث القصة التي رواها مسؤول موريتاني تم تعيينه في مجلس الوزراء على مؤسسة عمومية في فترة الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع.
وقال المسؤول الذي نتحفظ على ذكر اسمه ، انه وبعد تعيينه بيومين قدم إلى المؤسسة لاستلام مهامه من طرف سلفه ، وبعد التدقيق في الحسابات تبين أن قرابة خمس مائة مليون لم تكن مبرراتها موجودة ضمن الوثائق التي تم تقديمها له ، ما دفعه إلى الامتناع من تسلم مهامه ، لكن سلفه قد نصحه بتسلم مهامه رغم اختفاء مئات الملايين دون مبرر.
ونقل المدير الجديد من ضمن نصائح زميله السابق، هي عدم الشكوى للرئيس ، لأن الأخير يعلم جيدا أين ذهبت تلك الأموال!.
إلا أن المدير الجديد أصر على رفع القضية إلى رئيس الجمهورية ، ليكون على علم مما يجري في تلك المؤسسة ، أو على الأقل أن يبين الوضعية التي استلم خلالها المؤسسة.
يقول المسؤول: طلبت لقاء الرئيس وبعد قرابة شهر من مهاتفة الديوان الرئاسي ومماطلته لنا تمت الموافقة على لقاء الرئيس معاوية.
ويضيف المدير دخلت على الرئيس وهو في حالة من الاستياء وتقلب المزاج وكأنه لا يدع مجالا لتفاصيل المهمة التي دفعت بي إلى لقاءه ، وبدى مطلعا على تدقيق تفاصيل القضية ، وبعد الاستماع إلى جزء يسير من مقدم الكلام حيث وصلت في سرد الرواية إلى اختفاء قرابة 500 مليون ، أجاب مقاطعا (ذاك ماه مهم) ، أمشي أمشي، أدور انت أنت توكل اكثر منه.. الفظة خالكه خالكة.. امشي أمشي شور عملاك لعت فيه، ويقول المدير، ثم خرجت عنه وهو يكرر "ذ ماه مهم" ، وذهبت مباشرة لاستلام المهام ، وبعد الاتصال على المدير السابق رفض الحضور قائلا : ش انزلاك مزين اخلاكاك.. هو الا ذاك الي شفت نزلو وحداك.. ول خليه.
وتظهر هذه القصة مدى استشراء ثقافة الفساد والنهب المنظم وسوء التسيير في عهود ما زال رموزها يصارعون من أجل البقاء على المشهد السياسي واستمرار تسيير المؤسسات في تحد ليس لمبدأ التقاعد فحسب ، بل لضرورة الاصلاح والقطيعة مع ممارسات الماضي التي افقرت شعب الدولة العائمة على أغلى موارد العالم.