بعد رحلتنا الشاقة لأزيد من سنتين مع هذا الملف الملفق أصبحنا نستطيع اليوم أن نعلن للرأي العام الوطني والدولي أن فيه جديدا من حيث الشكلُ والمضمونُ.
فمن حيث الشكلُ،
نلاحظ تغير اسم الملف من "ملف فساد العشرية" في بداية الأمر، إلى "ملف الرئيس محمد ولد عبد العزيز" (لما أصبح المستهدف الوحيد فيه) ثم إلى "ملف العشرية": فجميع وسائل الإعلام التي أعلنت وصوله إلى المحكمة العليا سمته "ملف العشرية"!
وسوف يدعى من الآن فصاعدا "ملف الافتراء على العشرية"! لخلوه من البينة، ولأن الواقع عنيد، والتاريخ لا يرحم! ومن مصلحة الجميع أن يدعى كذلك، لأن العشرية ملك للجميع متهَمين ومتهِمين!
ومن حيث المضمونُ،
فقد أصبح باستطاعتنا أيضا أن نعلن للرأي العام الوطني والدولي اليوم موت هذا الملف سريريا قانونيا وقضائيا. وذلك للعوامل الأربعة التالية:
1. لقد بني الملف على الباطل؛ وما بني على الباطل فهو باطل لا محالة!
وتجلى ذلك في ثلاثة أمور هي:
- ادَّعَوْا أنه بني على تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" الباطلة بقوة أحكام الدستور (المواد من 45 إلى 77) والذي أحاله البرلمان إلى الحكومة، وأحالته الحكومة إلى القضاء، وأسست عليه النيابة دعواها! وقد ظهر اليوم كذب وبطلان هذا الادعاء! ذلك أن تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" على علاتها وعلاته وبطلان جميع إحالاته المذكورة، لم يتهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بشيء، ولا يستطيع أن يتهمه بشيء أصلا! وها هو ذا التقرير بين أيدينا بصفحاته الـ 364! وتصريح نائب رئيس تلك اللجنة بين أيدينا أيضا. ويقول فيه: "عندما ينظر الإعلام إلى التقديم الذي قدم به النواب عملهم يرى أنهم لم يتكلموا عن العشرية ولا عن النظام ولا عن الرئيس. تكلموا عن قطاعات معينة يريدون التحقيق فيها.
ثم إن رئيس الجمهورية ليس مسؤولا بشكل مباشر عن التسيير؛ فالدستور واضح في أنه لا تمكن متابعته حول تسيير أي مرفق من المرافق العمومية.
فحسب الدستور لا تمكن متابعته إلا في حالة الخيانة العظمى. فالإعلام ركز على العشرية وعلى النظام.
في حين أن ما يسعى إليه النواب هو قيام البرلمان بدوره في رقابة الحكومة؛ سواء أكانت هذه الحكومة أم الحكومات السابقة. وبالتالي يظهر لي أن الإعلام أخرج اللجنة من نسقها الحقيقي".
ثم إن تقرير لجنة "التحقيق البرلمانية" الذي أسست عليه النيابة دعواها العمومية، لا يوجد إطلاقا ضمن الملف! وقد حجب عن القضاء بسبب خلوه مما يفيد الاتهام! وها هو ذا جرد الملف بين أيدينا أيضا! ولا ذكر فيه لتقرير لجنة التحقيق البرلمانية!
- وبنوه أيضا على نظرية "الأفعال المنفصلة" وعدم انطباق المادة 93 من الدستور! وقد أثبتنا بالبحث والشرح والتفصيل بطلان نظرية "الأفعال المنفصلة" في موريتانيا، وانطباق المادة 93 من الدستور..
فخشعت أصوات القائلين بتلك النظرية، فلا معترض ولا معقب!
- ولما لم يجدوا بينة على دعواهم الباطلة التي لا تسمع، قالوا ببدعة جديدة هي: "أن عبء البينة لا يقع على سلطة الاتهام ولا على الطرف المدني؛ بل على المتهم. فالقاعدة معكوسة هنا. وليست البينة على المدعي". ونسبوا ذلك للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وقانون مكافحة الفساد الموريتاني. فدحضنا قولهم وبينا افتراءه! وبراءة الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وقانون مكافحة الفساد الموريتاني مما نسب إليهما بهتانا وظلما؛ فخشعت أصوات القائلين به أيضا فلا معترض ولا معقب!
2. وعلى مستوى التحقيق الذي هو المرحلة القضائية الأولى: لم يجر تحقيق قضائي في هذا الملف، وذلك لأربعة أسباب هي:
- أن فريقي النيابة والتحقيق عملا على غير هدى وخرقا جميع حيثيات المرسوم رقم 017/017 المنشئ لهما والمنظم لعملهما؛ والذي يوجب على كل من رئيسي فريق النيابة وفريق التحقيق تعيين قاض فرد من فريقه مكلف بالادعاء والتحقيق في الملف. الشيء الذي لم يجر قط، وطفقا يخصفان صلاحيات غيرهما لشدة الحرص والطرفية والاندفاع في ظلم موكلنا! فكان عملهما باطلا!
- أن إجراءات ختم التحقيق المفصلة في المواد 173،174، و175 تم خرقها جميعا وانتهكت حقوق الدفاع المقدسة بتمالؤ الفريقين!
- لم يشتمل كتاب الإحالة (103 ص) على أي دليل على ارتكاب أي متهم فعلا مجرما؛ بل كان خليطا من تحريف الوقائع، واجترار محاضر الشرطة وطلبات النيابة، وخرق النصوص القانونية الصريحة! وتمخضت فترة التحقيق هذه أيضا عن كتاب يحتوي ما يزيد عن 40 أمرا مخالفة كلها لصريح القانون ومطابقة لطلبات النيابة!
- ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد؛ بل إن الملف الذي بلغت أوراقه لدى التحقيق 8828 صفحة. لم يحل منه إلى محكمة الاستئناف سوى 767 صفحة (أي أقل من عُشُره!) فأين بقية الملف؟ وهل يمكن اعتبار هذا الشطط عملا قضائيا؟
3. على مستوى غرفة الاتهام في محكمة الاستئناف. واستأنفنا عمل "التحقيق" فما ذا جرى أمام محكمة الاستئناف، وما معنى الاستئناف؟ إنه يعني أنك ترفع مظلمتك إلى مرحلة ثانية من مراحل التقاضي أتاحها لك المشرع حماية لحقوقك وليس هدرا لها وتكريسا للظلم! لينظر فيها من جديد على ضوء عيوب أمر أو حكم الدرجة الألى قاض (أو قضاة) حَكَم، عارف، ورع، ونزيه، ليس طرفا، ولا منحازا لطرف، ولا ابن عم طرف، ولا تابعا له باعتباره ولي نعمته! {وما لأحد عنده من نعمة تجزى}... وفي محكمة الاستئناف: قام وزير العدل بسحب ملف موكلنا من قضاته الطبيعيين ودعا قاضيا كان في العطلة، لاعتبارات مخالفة للمعايير التي ذكرنا آنفا ولحسن سير العدالة، فحكم له بما طلب في ظرف ساعتين رغم أن عدد أوراق الملف 8828 ورغم وجود طلب ردِّهِ عن النظر في الملف منشورا أمام المحكمة العليا! الأمر الذي يدل على الحرص والريبة! وقد جاء قرار غرفة الاتهام بمحكمة الاستئناف على الرغم من عيوب الاختصاص ووجود ريبة وفتح مسطرة رد، فريدا من نوعه في تاريخ العدالة الموريتانية! فقمنا بتعقيبه وبيننا هفواته الكثيرة في مذكرة تعقيب مفصلة أمام المحكمة العليا. وسوف نعرض لكم نماذج من غرائبه؛ منها - على سبيل المثال- قوله في قرار صادر عن تشكلة جماعية:
- "أقول بأنه من المذاهب المذهب المعروف فقها وقضاء أنه لا بطلان بغير ضرر. هذا المذهب قال به القضاء الفرنسي ثم المشرع الفرنسي..."! فهل يصار في المادة الجنائية إلى مذهب مجهول، ويلغى نص صريح آمر؟ علما بأن القانون الجنائي "ظاهري" إذ يحكم بالنص إذا كان صريحا، وإلا فإنه يفسر لصالح المتهم، وليس لصالح النيابة!
- "الدفاع تكلم كثيرا وفي الملف ما يثبت ذلك متشبثا بالحصانة واتخذ فيها قرار وتم تأكيده من المحكمة العليا... (راجع عبد الرزاق السنهوري ج)"! ونحن في هيئة الدفاع لم نثر مسألة الحصانة أبدا أمام غرفة الاتهام المحروسة، ولم يصدر فيها قرار منها حتى تؤكده أو تلغيه المحكمة العليا! أما السنهوري فلدينا مجموعته المتعلقة بالقانون المدني، ولا يعرف له عمل جنائي، ولا مؤلف بهذا العنوان "عبد الرزاق السنهوري ج"!
- "ومصدر كل التشريعات في الواقع هو الاتفاقيات الدولية وبالتالي كل تعريف ذكره نص من هنا أو هناك أو قانون من هنا أهناك تجده شاهدا على ما في قانوننا تقول المادة 324 من قانون فرنسي..."! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
4. وقد عقبنا قرار محكمة الاستئناف أمام المحكمة العليا، وقام أمامها موكلنا أيضا بمخاصمة القاضي الحسين ولد كبادي منسق فريق التحقيق من جديد، وأعلن أنه سوف يخاصم كل قاض ارتكب خطأ مهنيا فادحا في حقه في هذا الملف؛ سواء أكان فاعلا أصليا أو مشاركا!
وخلاصة القول بعد هذا السرد الصريح الموثق:
- أن هذا الملف مات سريريا قانونيا وقضائيا! أكيد أنه ملأ دنيانا وشغلنا ثلاثا وألحق بنا - فرادى وجماعات- أضرارا مادية ومعنوية بالغة على كل المستويات! ولكن من المؤكد أيضا أنه لا يمكن لمن يحترم نفسه أن يحاكم أيا كان على أساس ما بين دفتي هذا الملف من خطأ وخطل وظلم وخرق وتمزيق للقانون! وإذا فعل، فسوف يكون هو وقضاته الماثل الأول في قفص الاتهام!
- أن صمام أمن العدالة والفيصل فيها في بلادنا هو المحكمة العليا. وهي ليست محكمة وقائع؛ بل محكمة قانون.. أي تسهر على حماية وتطبيق القانون وتضمن سيادته! وقد قدمنا إليها من الأدلة والمثبتات على خرق وتمزيق ودوس القانون ما إن عقوباته لتكفي لإلغاء جميع الأحكام والقرارات الصادرة من قضائنا هذا العام وعام أول والعام الذي قبلهما. ونحن نطمع في عدالتها حفاظا على ماء وجه القضاء الموريتاني وصيانة للقانون وتمكينا لسيادته وحفاظا على مصداقية وأمن وسكينة موريتانيا!
ألا هل بلغنا؟ اللهم فاشهد!