تعتبر لجان التحقيق البرلمانية في الدول الديمقراطية التي تتبنى مبدء فصل السلطات الثلاثة؛ من أهم اللجان التي تشكل من أجل التحقيق في شبهات فساد قد تكون وقعت أثناء تولى نظام ما دفة الحكم في هذا البلد او ذاك.
ومن أهم تلك اللجان التي شكلت لهذا الغرض في بلادنا خلال العقود الأخيرة؛ اللجنة البرلمانية التي عهد إليها بالتحقيق فيما أصبح يصطلح عليه إعلاميا "ملف العشرية"؛ والتي تعني مأموريتي رئيس الجمهورية السابق السيد، محمد ولد عبد العزيز العشر حجج؛ التي أدار فيها دفة الحكم في هذا البلد مستعينا بعدة وزراء أول كان من أهمهم السيد المهندس يحي ولد حدمين.
ورغم تثميننا لأي خطوة تحقيق تروم توطيد دعائم الرقابتين التشريعية والقضائية؛ إلا أن هذا الملف اتسمت حيثياته بكثير من الإنتقائية والإستهداف !.
فإذا كانت اتهم الموجهة للمتهمين تتعلق في الأساس بتبديد أموال الشعب وثرواته، فكيف يشطب على أسماء وازنة في النظام المستهدف نفسه وقد ملأت الدنيا وشغلت الناس حينها بالضرائب المجحفة على المواطن وأضحت وزارة المالية "حانوتا لتحصيل الأموال بأي طريقة" ؛ ألم يكن حري بصاحبها أن تطاله المساءلة القانونية حتى يبرء قضائيا أو تثبت عليه تهم الفساد.
كما كان لوزراء تم شطب أسمائهم من قائمة المتهمين دورهم البارز في نظام الرئيس السابق حيث منحوا النفوذ وغلوا في ولائهم للرئيس....
فكيف يتم التغاضي عن هؤلاء ولا يقدمون للمحاكمة وفي الآن ذاته يقدم المهندس يحي ولد حدمين إلى محاكمة خير من تحدث عنها هم بعض من أعضاء اللجنة البرلمانية التي شكلت نواة لمسارها القضائي الذي نتابع فصول انتقائيته وعدم عدالته!!!
لقد ذكر العديد من أعضاء تلك اللجنة البرلمانية أنه تمت الإنتقائية في موضوع هذه المحاكمة؛ فتم إخراج البعض منها عبر نافذة الإنتقائية والتسويات ما تحت الطاولة؛ بعد أن دخل لائحة الإتهام من بابه الواسع.
وهذه الإنتقائية في هذا الملف هو ما أفقد هذه المحاكمة قوتها وجدارتها في أن تكون محاكمة القرن -كما يحبذ البعض أن يصفها- وجعلها تبدو كما لو كانت في الحقيقة ليست إلا تصفية حسابات لأصحاب الأمس بعد أن فرقت بينهم دهاليز السياسة وتغيرت مراكز النفوذ وأضحت المصلحة هي أن يكون صديق الأمس عدو اليوم وذلك للقدرة الفائقة التي تمتلكها طبقتنا "السياسوية" في التأقلم "الحربائي" ومسايرة أي نظام يسوس هذا البلد؛ حتى ولو لم يراعي ذلك قيم المجتمع ومبادئ العهد الذي لا يفرط صاحبه فيما نسجته أواصر الزمالة والأخوة سنين عددا.
لقد أبان ولد حدمين في مرافعاته المتميزة عن السبب الحقيقي في استهدافه بشكل شخصي؛ من طرف أشخاص غير محايدين منهم من لا يتمتع بالأهلية القانونية لتوجيه الإتهام في الأساس والبعض منهم خصوم سياسيين للرجل وجدوا فرصتهم لتصفية حساباتهم معه في تضليل الرأي العام عبر التظاهر بحرصهم على مصلحة البلد ومحاربة الفساد الذي إنما هو الحق الذي يراد منه الباطل!.
فاللجنة البرلمانية حسب ولد حدمين مكونة من شخصيتين لهما سوابق فساد، وشخصتين محل متابعة قضائية وثلاثة أعضاء معارضين شرسين له ولحكومته آن ذاك.
وطبيعي أن يستهدف من لجنة كهذه لا تتسم بالمصداقية والشفافية والحياد.
وقد أوضح ذلك جليا بخصوص الملفات الثلاثة التي تمت فبركتها عليه وقدم بشأنها ردودا أربكت الإدعاء العام ومحاموا النظام وأشفت غليل تساؤلاتهم، بل إن أسئلة المهندس الاستنكارية المفتوحة في معرض استغراب تواجده أمام محكتهم بعد أن تم القفز إلى شخصه هو بالإستهداف -وجهت بوصلة تلك الإتهامات إلى من يعنيهم الأمر - وليس هو الذي لفقت عليه التهم لغرض إلحاق الضرر به؛ من لدن خصومه السياسيين فكان من الأولى أن يكون المسؤول المباشر عن هذا الملف أو ذاك هو من يمثل أمام المحكمة، وكأنه يرد على أعضاء اللجنة البرلمانية وكذا المغرضين من ورائهم" رمتني بدائها وانسلت".
فمثلا في ملف المطار ذكر أن وزير الشؤون الاقتصادية أنذاك هو من وقع الاتفاقية مع شركة النجاح وقد تولى الجوانب المالية في حين تولى ولد حدمين الجوانب الفنية" ؛أي نوعية التربة، والمدرجات، وشكل المطار، ونوعية الطائرات التي يستقبل.
وقد تساءل عن سبب استدعائه هو بالذات وهو إنما كان مسؤولا عن الجوانب الفنية في هذا المشروع دون أن يتم استدعاء، وزير الشؤون الاقتصاد والتنمية [سيدي ولد التاه] والذي هو من وقع هذا الملف، وهو أعلى منه رتبة ولم يتم استدعاء الوزير الأول [مولاي ولد محمد الأغظف] المسؤول عن الحكومة كلها أنذاك.
وفي الملفات المتبقية يتجلى الاستهداف الواضح لشخص المهندس يحيى ولد حدمين عندما يتساءل عن عدم استدعاء كل من مدير مجلس إدارة "ENER"، وكذا أعضاء اللجنة الوزارية وزراء المالية والبترول والطاقة والمعادن والتجهيز والنقل بخصوص ملف دمج شركتي صيانة الطرق وATTM"
أما موضوع بيع المدارس فالإستهداف في موضوعهم جلي إذ أن وزير التهذيب الوطني الذي كتب الموافقة على بيعهم والوزير الذي قدم قطاعه البيان وتولى البيع لم يستدعيا ولم يتم استجواب أي منهما"(في تحويل واضح للبخشة عن فمها)".
وعموما فإن المهندس يحي ولد حدمين هو ضحية لتصفية حسابات أعداء كثر منهم من باعثه حسد من عند أنفسهم على الرجل بفعل المكانة التي احتلها في هرم النظام السابق ومنهم من استهدفه كردة فعل على فتحه ملفات فساد طالت البعض ووجد فرصته للإنتقام منه والتلفيق عليه.
وقد أعطى هو في مرافعاته أمام المحكمة نماذج من ذلك، مثل ملف تقشير الأرز حيث كشف اختلالات بقيمة 5 مليارات أوقية أحال أصحابها إلى القضاء، كما أنقذ 10 مليارات من الاوقية بعد كشف 25 ألف طن من الأرز الفاسد الذي اشتري من مصانع التقشير وهو غير صالح للاستخدام.
بالإضافة إلى ملفات الموظفين والبنوك والخزينة، حيث وجد 2000 موظف يتقاضون أكثر من راتب بمبلغ مالي كلف الدولة 1.5 مليار أوقية
كما كشف زيف ادعاءات البنوك لثلاثين سنة وهم يقدمون تقارير عن الإفلاس والخسارة وعند تحقيقه معهم سددوا لخزينة الدولة 6 مليارات أوقية سنويا.
كما قام بتفعيل دور المفتشية العامة للمالية عبر "منهجي تفتيش المصاريف والمداخيل'' مما كشف عن فساد مالي مهول في كل القطاعات وكذا السفارات في الخارج...
ومن هنا يتضح جليا أن جحافيل المتضررين من رجال أعمال ونافذين وسياسيين وإعلاميين وموظفين-كانوا يتقاضون عدة رواتب -كل هؤلاء ممن استفادوا من استشراء الفساد- وكان المهندس يحي ولد حدمين كابحا لجماح فسادهم وإفسادهم -هم من تكالبوا على الرجل للثأر منه والزج به في ملفات فساد هو من كان يحرص على فتحها وتقديم أصحابها للعدالة.
ولهذا جاءت مرافعات الرجل واضحة صريحة دامغة قذفت بحق البراهين وصدقها فأزهقت أراجيف التزييف وإلصاق التهم وحولت المهندس عونا للقضاء في كشف منهم سدنة الفساد ممن كان أداة لمحاربة الفساد...ولا يستغرب ذلك من مهندس عالي الخبرة العلمية والتجربة المهنية بعد أن كان خريجا من أعرق مراكز التكوين في كندا نهاية السبعينات من القرن الماضي ليلتحق بمساره العملي في كبريات الشركات الوطنية في مجال المعادن وقد شهد له القاصي والداني بالمهنية والتفاني في أداء مهامه على الوجه المطلوب مع صرامة في العمل وتقديس له، والذين عملوا تحت إمرته بشركة اسنيم في نواذيبو يعلمون عنه ذلك جيدا.
وفي ختام هذا المقال أقول للرأي العام الوطني وللمحكمة الموقرة إن العدل أساس الملك، وأن "لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى"
فالعدالة هي كل لا يتجزء ولا تنبني على الاستهداف والانتقائية بقدر ما تروم كشف الحقيقة والحقيقة وحدها.
الكاتب، احمد جدو ولد محمد عمو