نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا لكل من جينا كولاتا وسو لي وي وبام بيلوك، عن قضية التعديل الجيني المثارة في الأوساط الطبية والاجتماعية والسياسية في العالم، بعد قيام عالم صيني باستخدامها.
وقال التقرير ، إنه منذ أن اخترع العلماء تقنية لتعديل الجينات اسمها التكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد أو كما تعرف بالمختصر الإنجليزي (كريسبر)، استعدوا بقلق لليوم الذي يتم فيه استخدام هذه التقنية لإنتاج جنين بشري معدل جينيا. وقامت العديد من الدول بتحريم مثل هذا العمل خشية أن يُساء استخدامه لتغيير كل شيء؛ من لون العين إلى مستوى الذكاء.
وقد تكون اللحظة التي كانوا يخشونها قد وصلت. فقد أعلن يوم الاثنين عالم صيني أنه أنتج أول مولودتين معدلتين جينيا، وهما توأم ولدتا هذا الشهر.
وقال الباحث "هي جيانكوي" بأنه عدل جينا في الجنينين قبل زرعمها في رحم الأم بهدف إكسابهما مناعة ضد فيروس الإيدز. ولكنه لم ينشر أي بحث في دورية ولا شارك أي أدلة أو معطيات تؤكد أنه فعل ذلك.
ولكن عمله السابق معروف للعديد من الخبراء في هذا الحقل، الذين قالوا - وكثير منهم قلق- بأنه من المحتمل أن يكون قد فعل ذلك.
وقال الدكتور أليكساندر مارسون، المختص في تعديل الجينات في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: "إنه أمر مخيف".
ومع أن أمريكا ككثير من الدول الأخرى جعلت التعديل المتعمد للجينات في الأجنة البشرية غير قانوني، إلا أن ذلك لا ينتهك القانون في الصين، ولكن يعارضه العديد من الباحثين هناك. وقامت مجموعة مؤلفة من 122 عالما صينيا بإصدار بيان قالوا فيه إن أفعال الدكتور هي "مجنونة" وادعاءاته تمثل "ضربة قوية للسمعة الدولية ولتطور العلم الصيني".
وإذا ما أصبحت عملية تعديل جينات الأجنة البشرية روتينية؛ فيخشى الكثير من العلماء والأخلاقيون وصناع القرار من منزلق خطير في مستقبل تتم فيه هندسة الأجنة لحمل صفات مثل اللياقة البدنية أو الذكاء وأمور ليس لها علاقة بمنع الأمراض الخطيرة.
ومع أن هذه الاحتمالات تبدو بعيدة، فإن القلق ملح وعاجل، فالطرق المستخدمة في تعديل الجينات قد تتسبب بتغير جينات أخرى بدون قصد وبطرق لا يمكن توقع نتائجها. وقال الدكتور هي إنه لم يحصل في هذه الحالة التي قام بها، ولكنه يبقى احتمالا واردا في هذا الحقل.
وأعلن الدكتور هي خلال القمة الدولية الثانية لتعديل الجينوم البشري في هونغ كونغ، أن لديه عدة أزواج، حيث إن الرجل مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية واستخدم التلقيح الصناعي لإنتاج أجنة بشرية مقاومة للفيروس الذي يتسبب بالإيدز. وقال إنه فعل ذلك بتوجيه (Crispr-Cas9) لتعطيل جين يعرف باسم CCRI يستخدم لصناعة بروتين يحتاجه فيروس نقص المناعة لدخول الخلايا.
وقال الدكتور هي إن التجربة نجحت لزوجين ولد لهما توأم في نوفمبر. وقال إنه ليست هناك آثار سلبية على الجينات الأخرى.
وفي فيديو قام الدكتور هي بنشره يقول إن الأب الآن لديه سبب للعيش لأن عنده أطفال وإن الناس الذين يعانون من فيروس نقص المناعة البشرية يعانون من تمييز كبير ضدهم في الصين.
ونقل إعلان الدكتور هي في وقت سابق في مجلة تكنولوجي رفيو الصادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونقلته أسوشييتد برس.
وفي مقابلة له مع الأسوشييتد برس؛ أشار هي إلى أنه يأمل أن يكون قد ضرب مثالا في استخدام التعديل الجيني لأسباب معقولة. وأضاف: "أشعر بمسؤولية كبيرة بأن علي أن أجعل هذا ليس الأول فقط بل مثالا.. ثم على المجتمع أن يختار ما يحدث بعد".
وليس من المعتاد أن يعلن عالم أنه قام بتطوير رائد دون أن يوفر المعطيات كي يراجعها زملاؤه الأكاديميون. وقال الدكتور هي إنه حصل على إذن ليقوم بالعمل من لجنة الأخلاقيات في مستشفى شينزين هارمونيكير، ولكن المستشفى أنكر علاقته في مقابلات مع الإعلام الصيني. وقد طلب تشينغ زهين، المدير العام لمستشفى شيزين هارمونيكير، من الشرطة التحقيق في ما يشك في كونها مواد مزورة تتعلق بأخلاقية البحث.
أما الجامعة التي يرتبط بها الدكتور هي، جامعة العلوم والتكنولوجيا الجنوبية، فقالت إن الدكتور هي كان في إجازة غير مدفوعة منذ شهر فبراير وإن كلية الأحياء تعتبر مشروعه "انتهاكا خطيرا للأخلاقيات والتقاليد الأكاديمية"، بحسب أخبار بكين الحكومية.
وقالت مفوضية الصحة الصينية يوم الاثنين إنها طلبت من المفوضية المحلية في جنوب غوانغدونغ التحقيق في مزاعم الدكتور هي.
وصُدم كثير من العلماء في أمريكا بسبب تلك التطورات.
وقال شوخرات ميتاليبوف، مدير مركز علاج الخلايا والجينات في جامعة أوريغون للصحة والعلوم: "أعتقد أن ذلك جنون". وقد حقق الدكتور ميتاليبوف خرقا علميا العام الماضي باستخدام التعديلات الجينية لإزالة طفرة جينية خطيرة من أجنة بشرية في طبق مخبري.
وقال الدكتور ميتاليبوف بأنه على خلاف عمله الذي يركز على الطفرات التي تتسبب بأمراض خطيرة والتي لا يمكن منعها بطريقة أخرى؛ فإن ما فعله الدكتور هي ليس ضروريا من ناحية طبية، فهناك طرق أخرى لحماية المواليد الجدد من فيروس نقص المناعة البشري.
وكان الدكتور هي قبل ثلاثة أشهر فقط قد قدم في مؤتمر حول هندسة الجينوم في مختبر "كولد سبرينغ هاربر" في نيويورك، عملا يتعلق بتعديل CCRI في أجنة من تسعة أزواج.
وفي ذلك المؤتمر تحدث الدكتور هي عن أمور اعتبر زملاؤه الحاضرون أنها تدخل في سياق البحث المقبول أخلاقيا، بحسب ما قال الدكتور فيودور يورنوف، مدير معهد "ألتياس" للعلوم الطبية الحيوية والباحث غير المقيم في معهد الجينوم الابتكاري في جامعة كاليفورنيا.
وقال الدكتور يورنوف: "لو استمعت لكلمته، لوجدت أسلوبا حذرا وتقدما خطوة بخطوة. وقدم تعديل جين CCRI. وكان يتحدث لزملائه ومعدلي الجينات المحترفين الذين يعلمون أن هناك تقدما سريعا في الحقل. وكان الجو في القاعة؛ لا أريد القول إنه كان متشككا ولكن نعم، لقد بنيت على عشر سنوات من التقدم".
ولم يذكر أنه كان ينوي زراعة تلك الأجنة في رحم امرأة متسببا بمواليد معدلين جينيا.
ويقول الدكتور يورنوف: "ما نعرفه الآن هو أنه بينما كان يتحدث إلينا كانت هناك امرأة في الصين تحمل بتوأم.. لقد كانت لديه فرصة بأن يقول: نعم وبالمناسبة سأكون صريحا معكم وأقولها لكم، أيها الجمهور، هناك امرأة تحمل بتوأم معدل جينيا".
أما ريتشارد هاينز الباحث المختص بالسرطان في معهد ماستشوستس للتكنولوجيا، والذي يترأس مجموعة استشارية في موضوع تعديل الجينات تابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم والأكاديمية الوطنية للطب بأن مجموعته ومجموعة مشابهة لها في بريطانيا توصلتا إلى أن تعديل الجينات البشرية يجب ألا يتم إلا لعلاج "احتياجات خطيرة لم تتم تلبيتها في العلاج الطبي، ويجب أن تتم مراقبتها بشكل جيد، ويجب أن تكون هناك موافقة تامة".
وليس واضحا كيف يكون تعديل الجينات لجعل الناس أكثر مقاومة لفيروس نقص المناعة البشري "احتياجا خطيرا لم تتم تلبيته" علما بأن الرجال الذين يحملون الفيروس لا ينقلون العدوى للأجنة.
فسائلهم المنوي يحتوي على الفيروس الذي قد يسبب الإيدز للمرأة، ولكن يمكن غسيل السائل المنوي من الفيروس قبل عملية التلقيح. أو يمكن للطبيب أن يقوم بإدخال حيوان منوي واحد في بويضة وفي الحالتين لا تتعرض المرأة لخطر الإصابة بالفيروس.
وحصل الدكتور هي على شهادة الدكتوراه من جامعة رايس في الفيزياء، أما أبحاث ما بعد الدكتوراه فحصل عليها من ستانفورد مع ستيفين كويك؛ أستاذ الهندسة البيولوجية والفيزياء التطبيقية والذي عمل على ترتيب الحمض النووي وليس تعديله.
ويقول الخبراء إن استخدام "كريسبر" سيكون أمرا سهلا بالنسبة لشخص مثل الدكتور هي.
وبعد عودته إلى شيزان عام 2012، وكان عمره 28 عاما؛ قام الدكتور هي بإنشاء شركة ترتيب الحمض النووي (دايركت جينوميكس) ووضع اسم الدكتور كويك على قائمة المجلس الاستشاري للشركة. ولكن قال الدكتور كويلك في مقابلة هاتفية يوم الاثنين بأنه لم يرتبط بتلك الشركة أبدا.