استمرت في موريتانيا، أمس الثلاثاء، انشغالات غير منقطعة بالوثيقة السرية التي تحدث عنها المستشار السابق لوزير العدل الموريتاني أحمد هارون واعتقل بسببها، ونشرها مؤخراً “مرصد المواطنة والحريات” الذي يوجد مقره في باريس، ويديره الحقوقي والناشط السياسي الموريتاني المعارض عبد الله المنير.
واشتملت الوثيقة الموقعة من طرف القاضي أحمد عبد الله المصطفى منسق قطب التحقيق في الجرائم الاقتصادية، على تفاصيل عن سحب مبالغ معتبرة من اليورو، وكذا استخدام أجهزة البنك المركزي للتأكد من سلامة مبالغ من اليورو، والدولار، في ظروف نقلت الوثيقة عن موظفين في البنك المركزي بأنهم “لم يعرفوا لها أي تفسير، ولم يعهدوا العمل بها من قبل ضمن عمليات البنك المركزي”. وأوضح مرصد المواطنة والحريات في بيان مرفق بالوثيقة “أنه قرر وضعها بين يدي الرأي العام الوطني، والمؤسسات القضائية في البلاد، والمنظمات الدولية الناشطة في مجال الشفافية ومكافحة الفساد”، مبرزاً أنها “تثبت أن أموالاً معتبرة تم تهريبها وتبييضها بتواطؤ من أعلى دوائر الدولة”، كما تثبت أن “خدمات البنك المركزي ووسائله استخدمت لأغراض خصوصية كالتحقق من سلامة العملات الأجنبية، واستبدال فئات ورقية كبيرة بأخرى أصغر يسهل تداولها”.
واعتبر المرصد أن هذا “يوحي أيضاً بشيوع التعامل بالعملات المزيفة في موريتانيا”. وشدد المرصد على أنه “من خلال هذه الوثيقة، وما تلاها من عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها يُخشى أن تكون السلطات العليا قد تسترت على عمليات مشبوهة أبلغتها بها النيابة العامة، بل إنها شجعت ذلك من خلال إبقاء بعض المتورطين في وظائفهم السامية، وترقية بعضهم”.
وكان عنوان وموضوع الوثيقة المذكورة هو “إبلاغ بمعلومات خاصة وردت في تصريحات بعض المستمع لهم في التحقيق الجاري حول قضية البنك المركزي، وذلك من أجل التوجيه بالتصرف المناسب”، وهي صادرة عن قطب التحقيق في الجرائم الاقتصادية. وكتب القاضي أحمد عبد الله المصطفى منسق القطب المذكور: “في الوقت الذي دخلت فيه إجراءات البحث الابتدائي الجاري في قضية البنك المركزي مراحلها الأخيرة تمهيداً لإحالة النتائج، وتقديم المتشبه بهم إلى النيابة العامة بحر الأسبوع المقبل (الثلاثاء أو الأربعاء على التوالي 14 – 15 يوليو الجاري)، وتبعاً للمعلومات التي أطلعتكم عليها تباعاً عن مجريات القضية، نبلغكم فيما يلي بمعلومات خاصة وردت في تصريحات بعض المستمع إليهم في التحقيق، تنبيهاً إليها مع أنه قد أشير إليها في ثنايا التقارير السابقة”.
وأضاف: “تضمنت تصريحات بعض موظفي البنك المركزي بمن فيهم المشتبه بها تبيبه عالي انجاي (مسؤولة العملات الصعبة في البنك المركزي ومعتقلة ومحكوم عليها في فضيحة مالية)، تضمنت هذه التصريحات، ذكراً لعمليات تتعلق بمبالغ كبيرة من العملة الصعبة (يورو ودولار) شاهدوها خلال السنوات الأخيرة، لم يعرفوا لها تفسيراً، ولم يعهدوها من قبل في إطار عمليات البنك المركزي منها: رصد مبلغ مليون دولار عند مسؤول سام، يشغل الآن منصب الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وقد جاء إلى مكتب المحافظ السابق للبنك المركزي وجلس معه في مكتبه، واستدعى الأخير الموظفة المسؤولة عن فحص العملة الصعبة، وطلب منها فحصه، وبعد تأكيد سلامته غادر به”. وتابع المنسق: “وتم رصد مبلغ في حدود 800.000 يورو سحبه شخصياً وزير المالية الأسبق، الإداري والمدير العام الحالي للشركة الوطنية للصناعة والمناجم، بواسطة شيك في ساعات المساء بعد نهاية الدوام، ووضع له في حقيبة قدمها له المحافظ السابق في مكتبه وذهب به”.
وتحدثت عن مبلغ في حدود 500.000 يورو، سحب بواسطة شيك، من طرف عامل بالرئاسة، وحسب تصريح المشتبه بها تبيبه على انجاي، فإنه قيل لها في تلك الأثناء إنه لإتحاف رئيس دولة إفريقية لا تتذكر اسمه غادر نواكشوط نفس اليوم، ووفق شهادة الشخص الذي سحب المبلغ وهو عسكري متقاعد الآن، كان يعمل في الحرس الخاص، فإنه يعتقد أن الرئيس الإفريقي المعني هو رئيس جمهورية غينيا بيساو، وذكر أنه يجهل رقم المبلغ، لكنه أكد واقعة سحبه، بأمر من مدير ديوان رئيس الجمهورية وقتها”.
ونقلت الوثيقة عن تبيبه عالي انجاي المشتبه بها في قضية البنك المركزي الموريتاني “أنه تكررت حالة مماثلة، سحب فيها مبلغ مماثل من أجل أن يتحف به رئيس دولة إفريقية يغادر نواكشوط بعد زيارة لها، وأن سحبهما كان في ظروف استعجالية جداً”.
وتحدثت الوثيقة كذلك عن “مبلغ 500.000 يورو من ورقة 500 يورو، جاءت به مسؤولة بروتوكول زوجة الرئيس السابق، من أجل استبدال ورقة 500 يورو، بورقة 200 و100 يورو، وتم ذلك بعد فحص المبلغ والتأكد من سلامته، كما تحدثت عن مبلغ 400.000 يورو من ورقة 500 يورو، جاء من رئاسة الجمهورية، من أجل استبدال ورقة 500 يورو، بورقة 200 و100 يورو، وتم ذلك بعد فحص المبلغ والتأكد من سلامتها مبلغ 5.000.000 دولار استدعي المحافظ السابق الموظفة المسؤولة عن فحص سلامة العملات، ووجدت معه ضابطان من الجيش برتبة عقيد، يشغل أحدهما منصب المدير العام المساعد للإدارة العامة للأمن الخارجي وعندهما المبلغ، وطلب منها فحصه، ولأنه مرتب في شكل علب مغلقة فقد فحصت منه عينات، وتأكدت من سلامته، وغادرا به”.
وأكد منسق قطب التحقيق “أنه نظراً لأن هذه المعلومات خارجة عن مجال البحث الجاري في قضية البنك المركزي الحالية، ونظراً لطبيعتها الخاصة غير المألوفة كما قال المصرحون بها، وفي ضوء مقتضيات قانون مكافحة الفساد، وقانون مكافحة غسل الأموال، واختصاصات الأجهزة القضائية والضبطية القضائية الموريتانية، والتزامات موريتانيا الدولية في مجالات الشفافية، نبلغكم بهذه المعلومات، ملتمسين منكم التوجيه بالتصرف اللازم تجاهها، مع الإشارة إلى أن المعلومات تضمنتها تصريحات المعنيين في المحضر، وستكون متاحة عندما يحصل المحامون على نسخ من المحضر أمام قضاء التحقيق، على أنه يمكن التفكير في حذف ما لا يحرص عليه المصرحون منها”.
وبينما أشعلت هذه القضية شبكة التواصل الاجتماعي، وبخاصة أحزاب المعارضة التي اتهمت الحكومة بالتستر على قضايا فساد مؤكدة بالأدلة، طالب عبد الله منير رئيس “مرصد المواطنة والحريات”، الرئيس الغزواني “بأن يبرئ ذمته من فضيحة البنك المركزي، عبر إظهار أنه لا علاقة له بها”.
وقال: “على الرئيس الغزواني أن يتحدث عن هذه القضية لأن صمته عليها قد يفسر بأنه نوع من التواطؤ، كما يجب عليه أن يقمع المفسدين حيثما ظهروا”. وأضاف: “إن الرأي العام يراقب تصرفات الرئيس واستمراره في تغطية أشخاص منصوص عليهم في تقرير النائب العام، وسيظن الموريتانيون بأنه إما متورط أو يتعرض لعملية ابتزاز”.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»