رشوة أم مسألة؟ : لست فقيها ولا قانونيا ولا أحب أن أتعرض لما لم أبذل عناء علمه، لكنني أجد صعوبة بالغة في تصنيف ما حدث في خانة الرشوة - ربما ذلك لقصور خيال العلميين!- باعتبار أن المحادثة حدثت أياما باعتراف سعيد بعد تسلّمه وثيقته وأنه لم يعط مبلغا قبل التسليم ولم يطلب منه. لعل ما حدث مسألة وليس رشوة -وقد انتشر التسول للأسف الشديد داخل المجتمع- خاصة أن سعيد استلم ترخيصا لشركة للألبان وقد اعتاد الناس أن يسألوا من يظنون به الثراء خاصة إذا قدموا له خدمة، وقد اعتبر الرجل أنه قدم خدمة فهو من أوحى بالاتصال بأحمد ولد خطري باعتراف الرجلين الذي يبدو أنه كان مفتاح التسليم، ولاشك أن ذلك جنب سعيد مزيدا من ضياع الوقت.
كل المحادثة توحي بأن ما حدث لا يعدو أن يكون مسألة من رجل لرجل ظن به الثراء، وخاله كريم، وعلم أنه قدم له خدمة أكسبته وقتا، في مجتمع انتشر قيه التسول - للأسف الشديد- تُترصد له كل الذرائع. في الحقيقة إذا قارنا الفعلين من الناحية الأخلاقية فإننا سنجد صعوبة في تحديد أي الرجلين أكثر إطنابا في اللاأخلاقية، وإن كنت أكثر اشمئزازا من فعل الأستاذ سعيد لمكانته العلمية من ناحية، ولأنه لا يمكن اعتباره ضحية بحال من الأحوال، فقد استلم وثيقته دون أن يعطي أو أن يُسأل مبلغا، وهو من استدرج الرجل وفوق ذلك هو من نشر. أما من الناحية العدلية فأهل القانون أدرى بشعابه.
هل يكيل سعيد بمكيالين؟
دافع الأستاذ محمد باب سعيد عن صديقه الوزير السابق المتهم بالفساد في ملف العشرية في فيديو* نشره منذ فترة قصيرة، وهو ملف لا يزال أمام القضاء ولا يزال صاحبه، الذي كان وزيرا للبترول والطاقة والمعادن خلال فترة إشراف سعيد على إنشاء مدرسة المعادن الجهة الوصية على المدرسة، متهما في هذا الملف. وهو الآن يحاول أن يكيف تهمة الرشوة لموظف سلمه وثيقته دون أن يأخذ منه أو أن يطلب أي مقابل لأنه اتصل به بعد ذلك ليسأله، فيجعله عرضة للتشهير وللقضاء الإعلامي!
هل من أخلاقية لآليات محاربة الفساد؟
علينا أن نفكر جيدا في أخلاقية أدوات مكافحة الفساد، لأن الأخلاق بناء واحد لا يمكن أن نهدم منه جانبا لنستخدم حجارته لسد ثغرات جانب آخر، إن الفساد ينخر الدولة والمجتمع** وينهش أموال الناس وأعراضهم ولا يمكن أن نحارب الفساد باستسهال أعراض الناس وإنما من خلال تصور منظومة متكاملة تحمي الأموال وتعصم الأعراض. إن استسهال الوقوع في أعراض الناس فساد لا يقبل من العامة ولا يطاق من النخبة. وإن طبيعة وظيفة الرجل لا تسمح له بأن يكون عنصرا محوريا في هندسة الفساد.
الانتخابات على الأبواب وهي فترة تزداد فيها حمى الشعبويتين اليسارية والمحافظة، وأرجو ألا يكون عرض الرجل وقودا لمشروع ترشح.
وفق الله وأعان
د. م. شماد ولد مليل نافع