الفساد في بلدنا أصبح جزءً من شخصية الدولة ..
أصبح جزءً من عبقرية النظام..
أصبح جزءً من هيبة الطغيان..
أصبح هالة إشعاع لباع الزعيم..
أصبح دليل ثقة الزعيم العمياء في أهم رجالات حكمه..
القانون لم يعد يخيف المفسدين في هذا البلد بعد مدرعة عزيز "تي 93 » سوفيتية الصنع..
الثورات لم تعد تخيف المفسدين إلا بتصاعد نسبة نصيبها من الفساد ، بعد انتصار المعارضة على السلطة و الشعب في معركة وزارة الداخلية..
الانقلابات لم تعد تخيف المفسدين ، إلا باحتمال قوة منافستها منذ اعتلى عرش الحكم قائد معركة بلوكات و مدرسة الشرطة و مدمر قصر مجلس الشيوخ ..
وحدهم الفقراء لم يفهموا بعد أن الظلم إذا ساد، يمكن أن يصبح عدالة : الكل يدفعهم بالظلم و القهر و تحدي الشعور ، إلى العصيان المدني و هم من يتنازلون بمحض إرادتهم عن أخذ نصيبهم من كعكة الفساد المحررة.
الدولة لا تستطيع أن تسجن الجميع إلا بالخوف ..
لا تستطيع الدولة التحكم في إرادة الجميع إلا بالفقر..
لا تستطيع الدولة أن تبسط نفوذها على الجميع إلا بالعدل أو بالظلم..
هشاشة كل دولة تقاس بقدر عجزها عن بسط العدل بين الناس..
أشرس و أخطر معارضة يمكن أن يواجهها أي نظام في العالم هي معارضة الجوع: لقد أسقط الجوع و التواصل الاجتماعي و انتشار العنف و تعري الفساد ، مقولة "جَوِّع كلبك يتبعك"..
لقد فهمت كل الشعوب التي انتصرت على الظلم ، أن السلطات هي الكلاب التي يجب تجويعها لتخدمها أفضل..
فهمت كل الشعوب التي استردت كرامتها ، أن الشعوب إذا سمَّنت كلابها لا بد يوما أن تأكلها..
الفساد هو ابن دولتنا المدلل .. هو ابن إمارتنا الشرعي و ممثلها الأعظم .. ابن قبيلتنا البار و ابن عشيرتها الأهم ..
الفساد مُلهِم ثقافتنا و مُحرك وجداننا و مُرَوِّض ذكائنا و ميدان تحريرنا الملتهب ..
الفساد لا تتناوله أحكام الشرع في بلدنا المسلم .. لا تتطاول على كرامته القوانين في بلدنا الديمقراطي ..
لا يحتاج الفساد في بلدنا قانون حماية الرموز لأنه أقوى من السلطة و الشعب و أقدم من السلطة و الشعب و أعلم بما نسر و ما نعلن من القانون و الشرع..
الفساد في موريتانيا هو القطاع الوحيد الذي يؤمن للبلد أعلى نسبة تنمية في المنطقة، لأنه وحده من يتحكم في تقارير البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و يتقاسم ريع الثروة السمكية مع الصين و الأتراك و محاصيل الثروة المعدنية مع فرنسا و المنقبين ، برعاية المحروسة سلطة التنظيم التي اتفقت مع شركات الاتصال منذ أكثر من عشرين سنة على تغطية كل المناطق الموريتانية خلال ثلاثة أعوام و ما زلنا نفقد الخدمة في ضواحي نواكشوط ونضيع نصف وقتنا و مالنا في البحث عنها في قلب العاصمة..
أيها الشعب الموريتاني العظيم، الفساد من أمامكم و حرسه المدجج ، براجمات الصواريخ و المحاكم و المدرعات و المسيرات و مفوضيات الشرطة و الطائرات العسكرية و تكييف الأحكام و القوات المجوقلة (…)، من ورائكم ، فليس أمامكم والله إلا النصر أو الموت ، فانتصروا لترتاحوا أو موتوا لتريحونا ..
تصبحون على دولة لا تستعبدكم بالظلم و نظام لا يحكمكم بالجوع .