لا يختلف اثنان اليوم على خطورة ما وصلت إليه أوضاعنا من تدهور آخذ يتزايد وينذر بحدوث طفرات تأزم لا يمكن التنبؤ بحجم تأثيرها ،إن استمرار المشكلات البنيوية والأمراض الاجتماعية المزمنة دون حل ؛ واستمرار الاختلالات العقلية والسلوكية تنخر في جسم المجتمع تعطله وتخدر ذهنيته، وتشل حركته نحو التغيير والانطلاق نحو ما يتطلبه الواقع من بناء وتطور وسلام واستقرار..
لقد كان التفكير المنطقي والعقل السليم يفترضان أن يغير المجتمع من سلوكه وعقليته ونظام حياته مثل ما حدث في كل المجتمعات العربية والإفريقية والاسلامية التي تغير سلوكها وأسلوب حياتها ٨٠ درجة بعد تغير الظروف ، واختفت أسواق النخاسة وانتهى الرق وزالت الفوارق بين من كانوا عبيدا وصاروا أحرارا ومن كانوا يعتبرون سادة ونبلاء ..
لقد كان يجب أن يتحرر مجتمعنا الذي تأخر تأثره بما يجري في العالم بعد أن تقدم التعليم وبلغ مستوى لابأس به بوجود عشرات الأساتذة، ذو التكوين العالي جدا، ومئات حاملي شهادة الدكتورا من كل الأختصاصات وآلاف المتعلمين والتقنيين في كل المجالات، ومئات العلماء والفقهاء الذين عشرات منهم عميقوا المعرفة بالشرع كتابا وسنة وأصولا وتوسعا في علم المقاصد الشرعية وأصول الأحكام ،ومفاهيم معرفية أخرى ترفعهم إلى مستوى الأشتهاد، واستنباط الأحكام !! فمجتمع فيه مافي مجتمعنا من المثقفين والعلماء من مختلف المستويات لايمكن تصور أن يبلغوا من السلبية واللامبالاة بحيث لا يكون لهم أي دور في محاربة الأمراض الأجتماعية والأختلالات السلوكية والخلقية التي تهدد شعبهم بالانهيار، وتستمر تشل قدراتهم وتحول دون انطلاقهم وتحرير طاقاتهم الخلاقة ليحققوا ماتتطلبه حياة سوية مستقيمة قوامها الوحدة والأنسجام والحيوية والفعالية، فعدم فعالية العقول الواعية، وخدرها وكسلها تسبب في الحالة التي نعيش..
إن الكثيرين تعودوا تحميل النظم الحاكمة كل النواقص و التقصير في علاج المشكلات التي تمس كيان المجتمع، ولهذا مايبرره بسبب أن السلطة هي الجهة المسيطرة القادرة علىرسم القوانين وتطبيق السياسات وتدبير الشأن العام وعليها علاج ما يحتاج علاجا ومواجهة مايحدث و يظهر من مشكلات، لكن من جهة أخرى علينا أن نعلم أن السلطة لاتستطيع القيام بأمر لم يتناول من طرف المطلعين ولم يتضح لها بكل أبعاده و تعرف حجمه سبيلا لنعرفة وسائل علاجه وكان ذلك كله من دور وواجب المتعلمين والعلماء و لم يقوموا به !!
فالطلب من الحكومة أن تقوم بالتوعية للشعب وتطبيق الإصلاحات المطلوبة في نفس الوقت يحمل الحكومة أكثر من دورها ويعفي المثقفين وجميع المتعلمين والعلماء المهتمين بالشأن العام من واجبهم التوعوي والإرشادي والتوجيهي فهم الذين عليهم توعية الناس بما فيهم الحكومة و إيضاح حقائق الأمور وكيف يمكن علاجها!!
وإن سلبية وعدم اهتمام ولامبالاة المثقفين وسائر المتعلمين بما فيهم العلماء الأفاضل الذين ظلوا يتمتعون بمكانة هامة في مجتمعنا المسلم، وفي كل مراحل تاريخه، فعدم مشاركة هؤلاء كلهم وسلبيتهم، تسبب في عجز الدولة بسلطتها التي تحكم عن تكوين رؤية واضحة للمشكلات قبل أن ترسم سياسة تعالجها !! فمشكلاتنا ليست من صنع الدولة حتى تكون الدولة وحدها مسؤولة عن حلها، إنها من ترسبات ظروف الماضي التي عشناها والعادات البائدة التي تبنيناها والعقليات المتخلفة التي رسخناها..
لقد مرت أكثر الشعوب بظروف كظروفنا فكل الشعوب والأمم مرت بمراحل عبودية، وظروف من الوحشية، وانعدام العدالة فعلج كل ذلك بتعاليم الدين ومايرشد إليه الوعي فتم تجاوز ما يتعارض مع تعاليم الدين الحنيف ومقتضيات العقل السليم وتم التخلي عن كل شيء غير قابل للمساعدة في استمرار تيار الحياة المتدفق .
من ذلك مثلا الرق والنخاسة وأساليب اجتماعية رافقت مراحل . من التاريخ وتوقفت صلاحيتها. وتم التخلي عنها كلية ففي بلدان تشترك معنا في التاريخ والعقائد كمصر والشام والجزيرة العربية، فلقد تم تجاوزهم جميعا للرق وللدونية التي يتعامل بها مع الأرقاء السابقين ولم نهتم نحن ولم نغير من أساليبنا، فظل الوضع عندنا يختلف عما هو في العالم لأن المثقفين والعلماء وسائر المتعلمين ظلوا صامتين ولم يبذلوا الجهود المناسبة لتسهيل تخلي الشعب عما يتمسك به من أفكار خاطئة وتصرفات ضارة ؛ ولتمكين السلطة من تبين الأمور ومعرفة المشكلات بحجمها و كيف يتم حلها، ولذلك فمسؤولية استمرار مشاكلنا وتردي أوضاعنا واستمرار العجز عن قطع خطوة ولوصغيرة لعلاج أمراضنا الأجتماعية البنيوية المترسخة، وعقليتنا الإقصائية التراتبية المتحجرة تسبب فيه انعدام أي دور توعوي وتوجيهي وإرشادي للمثقفين والعلماء يوضح الأمور و ينشر الوعي ويساعد في الحد من التدهور والانهيار المستمرين في تزايد في كل مناح الحياة؛ وقد أصبح غالبة المحللين للواقع الذين كانوا متفائلين يتخلون عن تفائلهم وصاروا مقتنعين قناعة تامة بخطورة الأوضاع وتعقدها و بحجم الصعوبات المتزيادة والعراقيل والمشاكل التي تقف في وجه من يريد التصدي لأزمات ومشاكل الواقع !!
فكل من يدرس الواقع سيتوصل إلى نتيجة مقتضاها أننا نعيش وضعا تحاصرنا فيه ظروف مشحونة بالتأزم والأحتقان المهددان بالانفجار في أي وقت مالم نجد صيغا لتخفيف الضغوط وتنفيس الأحتقان وتخفيف أسباب التوتر، فلدينا مشاكل بنيوية ناجمة عن وجودنا في مجتمع شبه مفكك لا تتوفر فيه المساواة الكاملة التي تضمن الانسجام المفضي الى الاستقرار والتعاون والتضامن في أخوة ومحبة وسلام!!
مطلوب منا بإلحاح مواجهة الواقع بموضوعية وتجرد تامان خاليان من كل ذاتية تزيد الأمور أو تنقصها تقوم بتقييم عوامل الواقع المتشاركة والمتشابكة، ليتوصلوا إلى إمكان وقف بعض جوانب التدهور وتخفيف تأثير بعض المشكلات، والتعمق في الدراسة والتحليل المفضي لوضع الحلول والعلاجات المناسبة لكل مشكلة وكل حالة.. والبعض يرى الوضع أكثر خطورة وأشد تعقيدا مما يرى الكثيرون فيتوصلون في تحليلهم إلى أن المشكلات الوجودية كمشكلة الوحدة والأنسجام بين مختلف المكونات الوطنية ما فتأت تزداد تدنيا وترديا وتناقضا سواء بين العرب والزنوج الذين لا سلامة لموريتانيا إلا بوحدتهما التامة، أو بين المكون العربي بين شرائحه التي كونها نقص الوعي وسوء السلوك، ويرون في نفس الوقت أن سوء الحكامة المتمثل في شيوع الفساد، وتفشي الوساطة، والمحسوبية، والزبونية، والرشوة، وفي كل يوم تزداد مظاهر الفساد تأثيرا في الواقع والانخدار به نحو الهاوية!!
إن ضعف اللحمة الوطنية يتزايد بمؤشرات جد مقلقة ، وتظهر في كل يوم شعارات جديدة لشرائحيين انعزاليين كالفقاعات داخل النسيج الاجتماعي و في كل يوم يزداد تأثيرالفساد وسوء الحكامة بالمزيد من تهميش الطبقات الفقيرة ، والفئات السفلى في نظام التراتبية السائدة نتيجة العقلية البدائية التي تسير سلوك الطيف السياسي المصر على استمرار زعامته وتقدمه الركب رغم جهله وقصور نظره الذي يستحيل معه تحليل تقدم حقيقي أوتطور ونهوض !!
هذا الواقع مهما كان تفاؤل المتفائلين وواقعية الواقعيين ووضوح وتشاؤم الآخرين يوضح بما لا يضع مجالا للشك أننا نعاني مشاكل من كل نوع تحيط بنا وتسد علينا المسالك ، وتهددنا بكتم أنفاسنا إذا لم ننتبه لواقعنا أو تتداركنا العناية الإلهية، فهذه المشاكل الخطيرة والمتنوعة التي لاتزيدها الأيام إلا تضخما وتعقدا وتشعبا ، تحتاج منا وعيا ولا نرى هذا الوعي حاصلا، ويحتاج هذا الوضع جدية ولا نرى سوى اللعب والاشتغال ببلع المنهوب من المال العام ..
نحن بالحالة السائدة في واقعنا يجب أن نتهيأ لسوء عاقبة سياساتنا الفاسدة وسلوكياتنا المتخلفة، وعقليتنا التي تأبى الفطنة لتجنب أخطر مايمكن حدوثه لمجتمعنا وبلدنا، فإذا لم نتدارك تطورات الأمور واختناقات الواقع ونصحح بعض الأخطاء ونغير العقليات والمسارات، فإننا كما سبق و حذرنا مرات ومرات فإن مجتمعنا بدأ علامات التوجه نحو المحذور وبسرعة تمنع تجنبه حتى لو وجدت النية لذلك.
لقد كنا نعلم مثل الكثيرين ونتحدث مع المتحدثين عن النواقص والمخاطر وننبه إلى الأوضاع الكثيرة حولنا التي تتطلب التغيير وكنا نؤكد استحالة استمرار السلوكيات والسياسات والنشاطات والأساليب التي دأبت عليها الأنظمة حتى صارت مسلمات يسلمها كل نظام للنظام الذي يخلفه رغم أنها كلها خاطئة وفاسدة ومنافية لمتطلبات مصالح المجتمع الذي يحتاج أكثر من أي شيء آخر إلى الانعتاق من كل مخلفات الماضي السلبية وتطبيق تساوي الفرص بين كل مكوناته ليمكن تفجير طاقاته الكامنة للبناء والتطور والتقدم وتحقيق كل شيء يبعث إليه الطموح المكتنز في عقول هذا الشعب الخلاق !!!
وكنا نعلم أن تململ المجتمع ووعي الوطنيين وحصافة وحكمة بعض المتنفذين كلها أمور تبعث على الأمل بحتمية وعي يبعث على عمل يوقف التدهور والأنحدار و يمنع السقوط الذي يتحتم عمل كل شيء لتجنبه لأنه لاقدر الله إن وقع لن يكون ما بعده يشبه ماقبله.
إننا إلى الله نتوجه أن يرينا جميعا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن ينعش فكر وذهن مثقفينا وعلمائنا حتى يكونو اعونا لسلطاتنا وعامة شعبنا لفعل مافيه الخير والسلامة لشعبنا!!!