ما بين 2006-2011، حَكَمَ رجلُ الأعمال-الفقيه، أحمد عبد الله سامبي، جزرَ القمر (أوالاتحاد القمري) بعد أن فاز بنسبة 58.40% من أصوات الناخبين خلال اقتراع رئاسي شارك فيه مرشحون عديدون..
بعد مغادرته السلطة، أصبح أهم معارض للرئيس الحالي آزالي آسومامي. وخلال فورة بحثه عن الزعامة السياسية، واستخدامه لأمواله الطائلة بغية القيام بالحملات المسيسة وشراء المؤيدين والمناصرين، اتهمه القضاء بالرشوة إثر الكشف، فجأة، عن عملياتِ بيع الجنسية وجواز السفر القمري لآلاف "البدون" الخلائجة بعائدات زادت على 1.8 مليار يورو، حسب قائمة الاتهامات.
في يوم 28 نوفمبر 2022، أدين إدانة جد قاسية. إنه بعيد، بعيد جدا بحيث لن يصله، من لدنا، رصاص التشفي والنكاية. غير أن قراءة سريعة لمحاكمته تبدو واردة هنا، في بلاد "أمن الطرق". إنها تعلمنا أن جزرالقمر وصلت حافة طريق النضج السياسي والقانوني. إنها تضع عجلتها الآن على المنعرج، إذ دخلت مرحلة من إنضاج التجربة المعبٍّر عن تطور المؤسسات وتنامي الوعي.
كما تعبرمحاكمة الرئيس القمري السابق، بالنسبة للمحللين، عن رسائل واضحة إلى رؤسائهم ورؤسائنا، إذ تعودوا على القيام بكل فعل شنيع لأنهم فوق المساءلة، ولأنهم لا يخشون أية محاكمة.. يقتلون، وينهبون، ويسجنون، ويقصون، ويبصقون على وجه البواب والنادل والسائق والخادم والخباز والزبال، ويمزقون الدساتير، فقط لأنهم لا يتصورون الوقوف، يوما ما، في قفص الاتهام أمام القاضي.
إن علينا أن نستشف من محاكمة الرئيس القمري أنه آن للأون لأن يتوقف قطارالإفلات من العقوبة، وأن عليه بالفعل أن يتوقف للأبد.
لقد خلقت ثقافة التطبيل والتملق من رؤسائنا أصناما، ومن نخبنا غوغاء، ومن شعبنا زيْدانيين لا يأنفون ولا يتعففون. وأدهى وأغرب ما في الأمر أنهم يحاولون إيهام الرؤساء بأنهم استولوا حتى على مساحات من القدرة "الفوق-بشرية". في هذا الإطار، يقول الكاتب الكاميروني الراحل، فيردينان شندجي كولي، بأننا نسمع في إفريقيا عبارات لا توجد إلا في هذه القارة، من قبيل : "الله في السماء ورئيس الجمهورية في الأرض، فالأول يسهر على شأن الأموات، والأخير يسهر على شأن الأحياء". إنه فوق العقيدة وفوق القانون، فوقية تجعل منه، بالنسبة لصُناع الوهم، المُطعم، المُخيف، السائر في ملكوت أعمته عن كينونته البشرية.
إن أية دولة تحاكم رئيسا لها، تساعد في إدراك واستيعاب الرسائل والمكتسبات الآنفة، وإن أي رئيس يقبل بمحاكمته، بأريحية، يساهم في بناء مرحلة حاسمة من نضج التجربة الديمقراطية لبلاده، وإن أية سلطة تنفيذية تبتعد عن تصفية الحسابات مع رئيس يخضع للمحاكمة، تعطي مصداقية حقيقية للنتائج المرتقبة من محاكمات الرؤساء.