هو محمد الصغير بن محمد بن سيد المختار بن محمد بن سيدي بن الشيخ بتار بن الشيخ احمد بن عثمان التنواجيوي الادريسي
المولود سنة ألف وثلاثمائة واحدي وثلاثين هجرية 1331ه ، ت1366ه
بدأ دراسته الاولي علي ابن عمه محمد ولد سيداتي ولد ابراهيم ولد سيدي وقد حفظ عليه القرأن وكتب عليه مختصرات فرض العين في الفقه المالكي
ثم واصل دراسته بعده و ذهب إلي مدينة ولاته وخاصة محظرة أهل سيد عثمان العائلة الشهيرة التي اشتهرت بتحمل أعباء طلبة العلم من إنفاق وإسكان وتعلم واشتغل بتعلم علوم النحو والصرف والفقه حتي بلغ درجة جعلت الشيخ المرواني ولد أهل احماد الولاتي المحدث الشهير يشهد له بأنه بلغ درجة من المعرفة جعلته مرجعا بالنسبة لمعاصريه سواء في ولاته أو غيرها
ويحكي معاصروه عنه حكايات في شأن ورعه وزهده تعد من نوادر سلوك أهل زمانه
منها أنه كان لا يقبل أن يتقدم لأكل الطعام اذا ما قدم ضيفا علي أهل منزل الا اذا ما جاء رب المنزل وقدمه له أما ربة المنزل فلا يقبل استعمال ما تقدمه له لأنه يرى أنها لا ملك لها علي ما في المنزل
ومن مناقب محمد الصغير كذلك في الورع أنه قدم عليه وارد من قبل أخيه وهو في ولاته وكان ذلك علي رأس عطلة من عطل أهل التعليم التقليدي فقال للوارد أنه سيذهب الي الخيام معه للراحة في العطلة
والخيام بعيدة عن ولاته ولم يقبل أن يستريح بالركوب علي جمل أخيه لانه لم يأخذ منه الاذن علي ركوبه وواصل السير علي قدميه حتي وصل خيام أهله
وليس هذا غريبا في البئة التي نشأ فيها محمد الصغير بل يقال أن أخاه محمد محمود مثله أو اشد منه في الورع
وكان محمد الصغير كثير الصمت لا يتكلم غالبا الا أذا سئل
فقد حكي عن الشيخ ابراهيم ولد الصغير الذي كان زميله في الدراسة أنه قال عن صمته أنه يخرج معه في العطل الأسبوعية يوم الخميس والجمعة ويذهبان لقضاء العطلة في البوادي القريبة من المدينة وأنه لا يتكلم معه الا اذا سأله عن شيء
ويقول الشيخ ابراهيم ولد الصغير رحمه الله أنه لم يسمع منه كلمة تشبه الهزل في حياته الآمرة واحدة وهي ان الشيخ ابراهيم كان نائما فاذا بمحمد الصغير ينبهه وقال له اذا كنت لم تر من قبل رجلا مشتغلا باخصاء كلب فقم لتراه فنظر ابراهيم فاذا رجل مشتغل بإحصاء كلبه
فهذه المسألة يحسبها شيخنا ابراهيم من جنس الهزل
وهي قد تكون مشتملة علي مواعظ وعبر بعيدة
.وقد جرت له شبه محنة في زمنه حيث أنه كان شديد الغيرة علي دين الله وشديد القوة بالله فيه
فقد ظهرت بعض البدع (..مثل قصر الرباعية...) فكان محمد الصغير من ضمن العلماء المنكرين لها مثله مثل محمد يحي بن سليم وغيرهم في ولاته
وقد حكي له أن الشيخ التراد بن العباس رحمه الله قال بيتين تشم منهما رائحة أحاطته بجميع الكائنات فقال هو أن هذا الادعاء فيه تكذيب لعدة ايات من القرأن ومن نص كلامه في الرد علي أحمد عثمان ولد الشيخ ولد سيدي الذي كان يدافع عن الشيخ التراد
إن نص الأبيات التي سمعت تخالف ثلاث أيات من كتاب الله العزيز احداها قوله تعالي.. وما يعلم جنود ربك الا هو.. والناظم قد ذكر الإحاطة بالكون وجنود الله عزوجل من الكون و القران صريح بأن علمها خاص بالله عز وجل والآية الثانية التي تعارضها الابيات هي قوله تعالي ...ويخلق ما لا تعلمون...وهذا الشيء المخلوق الذي صرح القرأن الكريم بأننا لا نعلمه معدود من من الكون الذي صرح قائل الابيات بأنه أحاط به
فهذا ما يعنيه ظاهر اللفظ ونحن لا يعنينا الا الظاهر والله يتولى السرائر
والآية الثالثة التي تعارضها الابيات هي قوله سبحانه ...وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو...وصاحبك ذكر الاحاطة بالكون بل ذكر معاينة ما هو ابعد من الكون وليس بعد الكون الا ذات الله عز وجل
ويتابع علي هذا المنوال مستدلا بأدلة متعددة في الموضوع
يقول الشيخ محمد المحفوظ رحمه الله أنه يظن أن محمد الصغير لو رأي كتاب الشيخ التراد لقبل عذره الذي أول به كلامه ومن الألفاظ التي أنكر الشيخ التراد رحمه الله قولها لفظت عاينت وقال أنه لم يقل الا شاهدت ومقام المشاهدة معروف ولا شيء ينكره الشرع من قول ذالك
وعندما شاع خبر معارضته للابيات
أرسل رئيس مدينة ولاتة أگيگ ولد عال للحاكم الفرنسي في النعمة يطلب منهم أن يذهبوا بمحمد الصغير من ولاتة
ويسمى هذا الحاكم ..جنبليه..وكان شديد السطوة علي المواطنين فأرسل يريد احضاره
ولما قدم محمد الصغير علي النعمة وأخبر الحاكم الفرنسي بمقدمه أرسل يطلب حضوره بتلهف وصار يخرج ويدخل ويقف أمام مكتبه ويسأل قائلا محمد الصغير لم يأت بعد
وعندما واجهه قادما خرق الله له العادة فقد اصيب هذا الحاكم الفرنسي برعب شديد وخجل جعله يدخل مسرعا الي مقعد مكتبه حانيا رأسه حسب ما يقول الحاضرون
فجلس محمد الصغير علي مقعد قدم له بجنب طاولة الحاكم الفرنسي فقال الحاكم انت محمد الصغير دون أن يرفع بصره نحوه فقال محمد الصغير بصوت عال ..أهيه ..بمعني نعم فرفع الفرنسي يده نحوه وقال له ما كان الا خيرا ويحرك اليد يمينا وشمالا نحن لا نريد منك شيئا الا أن رئيس ولاته قال أنه يطلب منك أن تخرج من مدينته والان أذهب فاسكن حيث شئت خارجها
ولم يرفع عينيه فذهب محمد الصغير وصار الحاكم يسأل من حوله بالفرنسية هل خرج من الباب فقالوا نعم فرفع رأسه وكأنه كان مربوطا بشدة
ولا غرابة فمن خاف الله أخاف منه كل شيء
ولم تمض فترة طويلة حتي توفي رئيس ولاته رحمه الله وأثناء ذالك قدم الشيخ التراد صاحب البيتين علي مدينة النعمة وسأل عن محل سكني محمد الصغير وذهب نحوه ولم يشعر محمد الصغير إلا والشيخ معه في المنزل يسلم عليه ويقول له أأنت محمد الصغير ؟قال نعم فقال أنا فلان بن فلان وأشهدك أنني قلت أشهد أن لا اله الا الله واشهد أن محمدا رسول الله فقال محمد الصغير الحمد لله الحمد لله وبقي معه فترة للسلام ثم خرج وأمر جميع تلامذته وأقاربه ألا يتعرض أحدمنهم لمحمد الصغير وبدأ في تأليف كتاب سماه أزالة الرين في تفسير البيتين
والبيتان أحدهما
أحطت بعرش الله والكون مشهدا
وعاينت ما قد كان من ذاك ابعدا
وفي سنة خمس وستين وثلاث مائة وألف هجرية رجع محمد الصغير لولاته
وفي سنة 1366هجرية كانت وفاته في ولاته ودفن في مدفن ولاته الغربي الجنوبي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته
كانت حياته كلها عبارة عن الاشتغال بالعلم تعلما وتعليما
رحم الله العالم الزاهد الورع المتمسك بالشريعة محمد الصغير وأدخله فسيح جناته
المصدر كتاب نشر الفضيلة للشيخ محمد محفوظ بن محمد الامين بتصرف طفيف