لا يستطيع أحد من أي موقع كان ، مهما كانت عبقريته ، أن يدافع عن نظام فاسد ، من دون أن يسقط معه ..
ولا يحتاج نظام ناجح إلى من يُلمِّعه أو يثني عليه ؛ أفضل طريقة لتأدية واجبك هي أن تؤديه و أفضل طريقة لإظهارها هي أن لا تبالغ في نفخ بالونه : يقول شكسبير : "إذا كنت صادقا.. لماذا تحلف ؟!!"
لو فهمت السلطة في بلدنا هذه الحقائق ، لوفرت على نفسها الكثير من الجهود غير المجدية رغم تكلفتها الباهظة ..
وبين هذا و ذاك ، يحتاج النظام إلى إعلام رسمي مهني ، يشرح توجه الحاكم و يؤكد التزامه بأجندته و قدرة إدارته على تنفيذها و يوفر تدفق المعلومات للمجتمع و الإعلام الحر ، لتكون مهمة الأخير ، البحث عن أي هفوات و التنبيه إلى نواقص العمل و نقد الأداء و تقييم النتائج ..
الأنظمة التي تحترم نفسها و تهتم بمصداقية إعلامها في التواصل مع الرأي العام ، تُطلق اليد لإعلامها الرسمي ليقود عملية الرقابة على تنفيذ برنامج الحكومة و فضح أي تقصير من أي جهة بكل احتراف و مهنية ..
وحين لا يُصدِّقُ الإعلام الرسمي تسامح النظام في تأدية الإعلام لواجبه ، كما يحدث في بلدنا (حسب ما تنامى إلى علمي) ، حيث أُطلِقَت له اليد في تأدية واجبه بأوامر صريحة و مُنِحَ فوق ما يحتاج من وسائل لتمكينه من أداء مهمته ، فكان من المفهوم أن يعتبرها مجرد مزايا تستحق الحفاظ على نعمتها ، لا يضمن استمرارها غير الخوف و الحذر و عدم تصديق جدية النظام في كشف عيوبه ، لتذهب جهود الأخير سُدًى.
عيوب النظام يا هؤلاء لا بد أن تنكشف (أنتم في زمن ويكيليكس) و كشف الإعلام الرسمي لها يُحيلُ الأخطاء إلى أصحابها و كشف الإعلام الحر لها يحيل كل الأخطاء إلى رأس هرم النظام ؛ هذا هو الفرق الوحيد بين الحالتين ..
ومن يدقق اليوم في المشهد العام ، يدرك بسهولة ، أن تلك هي مشكلة البلد بالضبط ..
الإعلام الرسمي في البلد يحتاج إلى إعادة تنظيم .. إلى إعادة تأسيس و
مهمة الخلية الإعلامية في الرئاسة ، يجب الآن (للضرورة) ، بعد أن يئس الرئيس من أداء الحكومة و نزل بنفسه إلى الميدان ، أن تكون التشاور اليومي مع مسؤولي الإعلام الرسمي لتحديد الجهات المستهدفة و حدود التعاطي معها بما يعطي ضمانات لفريق العمل بعدم الارتطام بصخرة المحذور ، حتى يتجاوز الإعلام الرسمي فوبيا العقوبة و يفهم الفرق بين من ينتقد ليفضح و من ينتقد ليغطي..
آن للنظام أن يدرك بعد أكثر من نصف قرن من التخبط في الأخطاء ، أن الإعلام الرسمي حين يفقد مصداقيته ، يتحول إلى سخرية يتندر الجميع بسخافة أصحابها ..
على الإذاعة و التلفزيون الرسميتين ، أن تقودا عملية كشف الحقائق و تنوير الرأي العام و تعزيز ثقة الجمهور في النظام و الإدارة و فهم برنامج الرئيس و خطط تنفيذه بالأولويات و المراحل ضمن الآفاق المرسومة له..
- الإدارة فاسدة حتى النخاع ..
- توصية الرئيس بتقريب الإدارة من الجمهور ، فشلت حد التآمر ..
- الصفقات المشبوهة ، أصبح الاستثناء النادر، هو الحديث عن غيرها ..
- 90٪ من أساتذة الجامعة غير مؤهلين للتدريس في الإعداديات . و ما يحكى من قصص مقرفة في أروقتها ، تجاوز كل الحدود الأخلاقية ، أعني اللا أخلاقية ..
- الشهادات المزورة وصلت حتى الأطباء و المهندسين ، باعتراف الجهات الرسمية..
- الأخطاء الطبية الفادحة ، الناتجة عن الإهمال و الاستهتار ، أصبحت حديث كل اثنين ..
- الأدوية المزورة و المواد الاستهلاكية منتهية الصلاحية ، المدموغة بتواريخ مزورة ، حدث و لا حرج
- انتشار المخدرات و الخمور بين الأحداث و نهوض البنية التحتية للشذوذ والضياع ، أصبح أهم تجارة في البلد ..
- الثانويات والإعداديات أصبحت منتجعات سياحية لرواد المتعة و الشذوذ ..
- التعليم الحر اختلط فيه الحابل بالنابل ، بالشذوذ الجنسي ، بالمخدرات ، بالتنصير ..
- جبال من الأدوية المزورة يتم حرقها أمام الجميع بتغطية شاملة من وسائل الإعلام الرسمية و لا يسجن أي أحد !؟
القائمة لا تنتهي و القائمون عليها أكثر و المقتاتون على أوساخها لا يخفون تواطؤهم ، فكيف نثق في إعلام لم نره يوما يتطرق لأي ملف من هذه الملفات الشائكة ، المهددة لحياة المجتمع ، المتحدية لدينه و أخلاقه !؟
ما حاجة النظام إلى إعلام لا يصدقه أحد ؟
كيف يصرف النظام هذه المبالغ الضخمة على إعلام لا يريد منه أي شيء؟
و ماذا يمكن أن يريد منه ، إذا كانت مهمته الوحيدة هي التلاعب بعقل المواطن في مواضيع لا تمس حياته أصلا !؟
حين تدخل فرق التلفزيون فجأة في إحدى إدارات البلد فتجد أكثر من نصف الموظفين غائبين و الرفوف مغبرة و الملفات متناثرة كيفما اتفق و الممرات تحتلها الأوساخ و المواطنين ينتظرون منذ أسابيع من يحل مشاكلهم البسيطة و البوابين يكذبون على الجميع و السكرتيرات تدير "ونگاله" في مكتب إحداهن و في شنطة كل واحدة منهن دكان متنقل و روائح الحمامات المقرفة تذكرك بإدارات أخرى ، لن يستطيع أي مدير بعدها أن يدافع بتبجح عن إدارته كما نرى يوميا على شاشاتكم التي أصبحت مهمتها إتاحة الفرص لهؤلاء المسؤولين المستهترين لإظهار ممارساتهم السيئة بما يضاهي العمل الملائكي ..
حين ينزل فريق من الإذاعة إلى الميدان لكشف جريمة الأدوية المزورة أو المواد الاستهلاكية منتهية الصلاحية ، ستظهر الحقيقة حتما بما يضمن اختفاءها نهائيا إذا رافقتها إجراءات ردعية جادة.
حين يصل الاستهتار إلى العبث بأرواح المواطنين و يصبح جل الناس يعيش على ريع الجرائم المسكوت عنها و يُطَبِّعُ الأمن مع الجريمة إلى هذا الحد ، لا بد أن تولد لحظة السقوط أو المواجهة . و لا يمكن مواجهة هذا الحد من الاستباحة و التراكمات المحمية من دون إعلام رسمي قوي ، مطلق اليد ، ترتعد فرائص كل من يدخل عليه ..
فلماذا لا يستعين الرئيس بأجهزة إعلامه المدججة بكل ما تحتاج ، لكشف حقيقة هذه الإدارة الفاشلة ، الرافضة لأي تغيير ، المتخصصة في التبريرات الكاذبة !؟
سيدي علي بلعمش