شكل الصراع المحتدم بين الاطراف المكونة للحزب الحاكم في موريتانيا عنوانا لجميع مراحل تجلياته منذ انشاءه على عُجالة وحتي اليوم.
وقد اضطربت المواقف للوهلة الأولى ، على ميدان زلق ، وبدى المشهد اكثر وضوحا ، عندما احتدم الصراع بين رئيس الحزب السابق ولد محمد الأمين المحسوب على الفريق غزواني ، وبين ولد محمد لغظف المقرب انذاك من الرئيس ولد عبد العزيز ، هكذا كنا ونحن العامة نستطلع قراءة المشهد انذاك بعيون زلقاء لا ترى ابعد من قدميها.
صراع صفر خلاله ولد محمد لغظف واستعرض جهود حكومته ، واستغل فصاحتها في ضحط حجة خصمه واستحكم في مشهد قاتم ، ظهر فيه الخصم بمظهر الحلقة الاضعف ، حتى تغيرت الهيكلة ، لتزيح ولد محمد الامين خارج اسوار الحزب.
يومها.. قلنا ونحن العامة ، اطاح به ولد محمد لغظف ، وتكوم الرجل ورفاقه من امثال ولد حدمين ، وكانت البداية ، لكن النهاية مازالت بعيدة المنال.
واستعادت التشكيلة الأخيرة زمام الامور في حزب الاتحاد من اجل الجمهورية الحاكم دون منازع وتوارى الخصوم ، وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي.
ان من تابع مسار الحزب الحاكم عن كثب يكتشف أن المنافسة والصراع على صدارة المشهد في الحزب ، ليست وليدة اللحظة ، أو تحدث بشكل فجائي ، وإنما مرت بمراحل عدة ، سعت خلاله مجموعات إلى فرض وجودها بعيدا عن الحزبية والولاء الحزبي.
وتميزت فترة الحكومة المنتصرة باستعراضات ، تجاوزت الحزبية والمجمع الانتخابي نحو شخصنة الحزب ، واتخاذ قرارات لا تراعي المعترضين ، مما أدي إلى حدوث انقسامات غلب عليها صراع وصل في بعض الاحيان حد الانشقاق.
إن اتساع الصراع التدريجي في الحزب الحاكم ، وغياب آليات لاحتواء تصاعده ، هو ما لا يدع مجالا لشك ، ان تعليمات عليا تتحكم في لعب الادوار .
ومما يدفع في نفس الاتجاه الولاء الثابت والتنافس عليه ، في ظل صراع الزعامة داخل الحزب الحاكم .
وقد تطور الصراع جزئيا عندما نشب الخلاف بين الرفيقين ولد محمد لقظف وولد حدمين بعد رتقا من الزمن ، خلق اجنحة ، استقطبت الكثير ، واتجه فجأة نحو سياسة إزاحة الآخر.
وبدي غياب قنوات التواصل بين تلك الأجنحة المتصارعة ، دليلا اكثر من أي وقت على ان مباركة الخلاف الذي نشب فجأة بين أبناء ولاية واحدة ، استهدف جهود مناطق بعينها ، وليس وليد الصدفة .
فلطال ما اينعت اعناق دُمى اطر الشرق العاملة لدى الانظمة المتعاقبة ، ولان ليها بكل سهولة ، تحت تأثير تشبثها بحقائب الخزي والعار التي يتدافع الجميع لنيلها.
وهكذا تمت التجربة التي تمخضت عن جناحي ولد حدمين وولد محمد لغظف ، نشط خلالها كم من فرق أبو الوجهين ، استطاعوا بكل حرفية احداث شرخ نهائي بين الرجلين ، واحتدم الصراع حتى القي بولد محمد لغظف خارج أسوار النظام.
يومها قلنا ونحن العامة ، أطاح به ولد حدمين ، وتكوم الأخير مع جناحه وبدى اكثر تقربا للحزب قبل ان يعود ظل ولد محمد لغظف من النافذة ، ليضطرب المشهد دون ان يصفى لولد حدمين نخبه.
لم يستشعر الأخير ان دور دمى الشرق لعبوه ، وقد انتهى! ، ولا داعي للتراشق بين الزجاج!.
لكن المرحلة التي تبعت رأب الصدع الذي امتد بين اتباع الرجلين ، استدعت تكليف هيئة وزارية بهيكلة الحزب الحاكم ، وإدخاله حيز العمل.
ولم تكن مرحلة ما بعد الهيكلة اكثر هدوء ، بل كانت اكثر وضوحا ، من حيث متطلبات الحزب.
حيث بدى زُهد الحزب الحاكم في المجمع الانتخابي ، وعدم تعويله على استقطاب الناخبين.
ويبدوا ذلك جليا في الخيارات القيادية للحزب سيئة السمعة لدى الناخب الموريتاني ، والفالسة شعبيا ، في مرحلة خُمول في تاريخ الحزب الحاكم ، خنس خلالها ممثلوا المجمع الانتخابي في قماقمهم.
ولعل الحزب الذي ولد من رحم مدني استعاد خلفيته العسكرية تدريجيا ، وبدى اكثر من أي وقت مضى في مرحلة جديدة ، تستهدف إعادة أسباب وجوده من جديد.
يتبع..