في الوقت الذي يسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى محاربة ظاهرة التحرش الجنسي في صفوفه، يؤكد عدد شكاوى التحرش الجنسي المقدمة من قبل المجندات الإسرائيليات داخل الجيش، المتضررات جنسيا، أن ظاهرة التحرش الجنسي زادت بشكل كبير وحاد خلال العام الماضي.
مجندات يتحدثن
ووفق المعطيات الرسمية الإسرائيلية، فقد "طرأت زيادة بنسبة 20 في المئة، خلال السنة الماضية، في عدد الشكاوى في الجيش الإسرائيلي حول العنف الجنسي"، وفق ما أورده موقع "المصدر" الإسرائيلي.
ويشير الموقع إلى أن مسؤولين في الجيش يُرجعون "زيادة عدد الشكاوى إلى الجهود التي يبذلها الجيش لرفع الوعي حول الموضوع، وتشجيع المتضررات على تقديم شكاوى"، مؤكدا تسجيل 1329 شكوى تحرش جنسي خلال عام 2016، مقابل 1101 شكوى عام 2015.
ولفت موقع "المصدر" إلى أن 802 شكوى -من بين إجمالي الشكاوى المقدمة عام 2016- كانت ذات صلة بتحرش جنسي داخل الجيش (أثناء الخدمة العسكرية)، إضافة لـ527 شكوى حول تحرشات جنسية ارتكبت في ظروف مدنية ليست ذات صلة بالخدمة في الجيش.
وقالت مسؤولة في الجيش لصحيفة "هآرتس" العبرية: "هناك مجندات يتحدثن للمرة الأولى عن الحالات التي تعرضن لها، ويجدن عنوانا لشكاوى حول تحرش جنسي تعرضن له في سن الطفولة، وفجأة يشعرن بأن الجيش هو إطار ملائم للتحدث عن مشكلتهن".
وتؤكد الإحصائيات أن 50 في المئة من الشكاوى المقدمة عام 2016 بسبب التحرش الجنسي داخل الجيش، كانت ضد جنود يخدمون خدمة إلزامية (تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عاما غالبا)، بينما 22 في المئة منها كانت ضد ضباط وجنود يخدمون خدمة إلزامية ثابتة.
الظاهرة قديمة
ومن بين الشكاوى، فإن نحو ربع الضباط فقط الذين قدمت شكوى ضدهم كانوا برتبة رائد وأعلى، ونسبة مساوية تقريبا من الشكاوى في عام 2016، ضد ضباط برتبة أقل من نقيب.
وارتفع عدد الشكاوى بنسبة كبيرة بعد قرار الاحتلال عام 2012 افتتاح مركز خاص لتوفير رعاية للمتضررين جنسيا في صفوفه.
وحول دلالات هذا الارتفاع الحاد في عدد الشكاوى الخاصة بالتحرشات الجنسية داخل جيش الاحتلال، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي، نظير مجلي، إن "هذا يعكس يقظة كبيرة في إسرائيل تجاه هذه الظاهرة، ومحاولة مقاومتها قانونيا وأخلاقيا".
ولفت مجلي، في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "هذه الظاهرة لا تقتصر على منظومة الجيش، بل توجد في كافة المؤسسات الإسرائيلية الرسمية والوزارات، وفي كافة الأماكن التي توجد فيها سلطة الرجل المسؤول"، معتبرا أن "الغطرسة الكبيرة لدى أفراد وضباط الجيش تدفعهم لمثل هذه الاعتداءات".
وأشار مجلي إلى أن "المتابعة والملاحقة الحثيثة من وسائل الإعلام الإسرائيلية والمؤسسات المختلفة تدفع نحو منع تلك الظاهرة والحد من انتشارها"، مؤكدا أن "ظاهرة التحرشات الجنسية لدى جيش الاحتلال قديمة جدا، وتنتشر بشكل واسع جدا في المجتمع الإسرائيلي، لكن الفرق أنه لم تكن هناك مقاومة أو معالجة داخل الجيش لهذه الظاهرة قديما"، وفق قوله.
وقال مجلي: "لو كان القانون الحالي قائما في فترة موشيه ديان (وزير الدفاع الأسبق)، لكان (ديان) أول المعتقلين في هذا الموضوع؛ لأنه كان معروفا بتحرشاته الجنسية".
دافع للانتحار
وحول الممارسة الجنسية الفعلية داخل جيش الاحتلال خلال الخدمة العسكرية، أوضح مجلي أنه "في حال رضا الطرفين تتم هذه العملية، ويغض الطرف عنها"، لكن "عندما تتم بين مسؤول كبير ومجندة أو موظفة صغيرة في الجيش، فهذا يعدّ تحرشا"، وفق تأكيده.
من جانبه، أكد المختص في الصحة النفسية، عبد الرحمن وافي، أن كثرة التحرشات الجنسية داخل الجيش لها "انعكاسات سلبية على المجندات اللواتي يتعرض للتحرش أو الاغتصاب، وتصبح بيئة الجيش في نظرهن غير آمنة ومكانا لا يمكن الوثوق به".
وأوضح أن "الصدمة النفسية الناتجة عن هذا التحرش تُفقد المجندة قيمة الارتباط بمنظومة الجيش، وقد تدخلها في نوبة اكتئابيه وحالة من القلق العام وفقدان التوزان النفسي، والثقة بالنفس والزملاء، وهذه كلها تعدّ من دوافع الإقدام على الانتحار عند بعض ضحايا التحرشات الجنسية"، وفق تقديره.
وأشار وافي إلى أن "فقدان الثقة بين الجنود في الميدان، مع وجود الرغبة في الانتقام لدى بعض الضحايا، ربما يدفع الضحية للاعتداء على زميلها المعتدي عليها؛ من أجل إيجاد شعور بالراحة النفسية، خاصة إذا لم يتم معاقبة المعتدي من قبل الجيش ومتابعة الضحية ومعالجتها".
ويعاني ربع جنود جيش الاحتلال من أمراض نفسية مختلفة، ما يدفع قيادة الجيش إلى تسريح آلاف الجنود من الخدمة العسكرية، أو الزج ببعضهم في السجون، في حين تعصف العديد من قضايا الفساد بالطبقة الحاكمة في "إسرائيل"، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.