أصبحت لدينا في موريتانيا ظواهر خطيرة مثل الناقد الأمي و مثقف الصالونات و شاعر المناسبات و المفتي تحت الطلب و السياسي حسب الحاجة وتعيين الوزراء على البكاء ..
لا يوجد من بين هؤلاء من يفرق بين التجريح و التشريح و حين ينتقد أحدهم تشريحك يفعلها بأقصى عبارات التجريح : هذا الجهل المتصاعد الذي أصبح أصحابه يعيشون على واجهة المجتمع في شتى المجالات ، هو أكثر ما يلطخ الساحة الثقافية و السياسية و الإعلامية و يحولها إلى أسواق شعبية لا تنتج أفكارا و لا تحترم أخرى .
الإنسان لا يحتاج إلى معارف موسوعية ليكون رمزا في وطنه و محيطه لكنه يحتاج إلى تفادي التظاهر بما لا يمتلك من مواهب لكي لا يكون أضحوكة مثل الرويبضة ولد الطيب..
لا تحتاج لكي تكون سياسيا مخضرما إلى شهادات عليا و تجربة استثنائية، لكنك تحتاج إلى أصالة اجتماعية و فطنة فطرية و موهبة في التعامل و قدر من احترام ذاتك لكي لا تكون مهرجا حقيقيا مثل الغبي ولد بايه…
لا تحتاج بالضرورة إلى شهادات عليا في العلوم السياسية لتكون رئيسا ناجحا لكنك تحتاج إلى التوازن و الثقة في النفس و تجاوز عقدة قصورك و الاعتماد على خبرات الآخرين لكي لا تكون حمارا يحمل أسفارا (إلى حتفه) مثل ولد عبد العزيز …
الإفتاء في موريتانيا أصبح وجهة نظر .. الخيانة في موريتانيا أصبحت وجهة نظر .. السياسة في موريتانيا أصبحت مهنة سوقية يدلي بدلوه فيها من شاء كيفما شاء .. الثقافة أصبحت مثل كرة القدم يركلها من هب و دب .. الصحافة أصبحت خيارا شخصيا يقرر من شاء أن يكون منها أو لا يكون ..
هذا التهافت المجنون يجعل مهمتنا أصعب و مسؤوليتنا أكبر : إذا سكت عن هؤلاء تصبح مساهما في الجريمة و إذا واجهتهم تصبح عدوا للجميع و هي مهمة صعبة لن يمنعنا تعاور نبال جبنائها من قول الحقيقة.
لقد أصبح الغبي ولد باي أهم من وزارة الصيد و الهنة ولد يوسف أهم من ولد داداه و المهرج ولد إياهي أهم من الدستور و أصبح الرويبضة ولد الطيب يورد و يصدر الآيات التي نزلت في اليهود، في كل من يعارض عصابة اللصوص و أصبح مصاص الدماء ولد عبد العزيز يطعم من جوع و يؤمن من خوف على لسان المتملق ولد محم خيره أذله الله كما أذل و احتقر نفسه..
لقد عششت الفوضى في هذا البلد و باضت و أفرخت : لم يعد هناك فرق بين جاد و مستهتر و لا معيار للصح و الخطأ و لا فرق بين العالم و الجاهل و لا بون بين الصادق و الكاذب.. الأمية لم تعد عائقا (ثقافيا على الأقل).. السوابق الإجرامية أصبحت شهادات تبريز أصحابها تصدرها مؤسسات أكثر سوابقا و إجراما..
في مثل هذا الوضع الذي تحل فيه صدارة المشهد الإعلامي (حتى عند النخبة المعارضة) بالركاكة و التملق المقزز و جهل تقنيات الإعلام و أخلاقيات المهنة و العبث بكل مقدس وطني، لا بد أن تتساءل لماذا تكون؟ و كيف تكون؟ لا بد أن تتوقف .. أن تتردد .. أن تحاول أن تعقد صلحا مع ذاتك ، لن يفهمه غيرك..
عليك أن تكون هاهنا لتفهم أن نزعة التمرد لا تتلقى الأوامر من العقل و لا تبرم الاتفاقيات مع أي جهة: نعم هنا فقط يمكنك أن تفهم ؛ أعني أن الكثيرين لن يفهموا ..