جاء في وثيقة إعلان المبادئ التي وقعتها أحزاب المعارضة في يوم 17 يناير 2019 بأن الأحزاب الموقعة على تلك الوثيقة ستعمل على اختيار مرشح موحد أو رئيسي تتقدم به في رئاسيات 2019.
لقد تعهدت الأحزاب الموقعة على وثيقة إعلان المبادئ، على التقدم بمرشح رئيسي في انتخابات 2019، تعهدت بذلك لجماهيرها وللشعب الموريتاني، ودون أن تتعرض لأي إكراه من أي نوع. ذلكم هو ما تعهدت به أحزاب المعارضة، وهو التعهد الذي قوبل بارتياح واسع من طرف جماهيرها، ولكن واقع الحال، يقول بأن تلك الأحزاب لن تفي بتعهداتها، الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن جدية معارضة لم تستطع أن تلتزم للشعب الموريتاني بتعهداتها من قبل أن تصل إلى السلطة، فكيف بها إذا وصلت إلى السلطة؟
تقول وثيقة إعلان المبادئ في إحدى فقراتها : "هذه الظرفية الدقيقة تتطلب من الجميع التوجه نحو هذا الاستحقاق بروح وطنية عالية ومسؤولية حقيقية، وتغليب المصلحة العليا للبلد على المصالح والطموحات الضيقة".
دعونا نسأل أين هي : الروح الوطنية العالية، وأين هي المسؤولية الحقيقية، وأين هو تغييب المصلحة العليا للبلد على المصالح الحزبية الضيقة؟ أين كل ذلك مما يجري الآن من خلافات ضيقة بين أحزاب المعارضة حول تسمية مرشحها الرئيسي؟
إن من أخطاء المعارضة التي تكررت في الفترة الماضية، هو أن هذه المعارضة كانت تصر دائما على تشكيل تكتلات سياسية هشة، تكتلات بإمكانها أن تظهر نوعا من الانسجام المزيف والتماسك الوهمي في الظروف السياسية العادية، ولكن هذه التكتلات سرعان ما تتفكك أمام أول اختبار جدي، وفي اللحظات السياسية الحرجة. تفككت الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، ثم تفكتت منسقية المعارضة ، ثم تفكك المنتدى بشكل جزئي بعد خروج التكتل وإيناد واللقاء، وكانت كل عمليات التفكك تلك قد حدثت في لحظات سياسية حرجة، وها هو ما يسمى بتحالف المعارضة الانتخابي على وشك التفكك في لحظة سياسية وانتخابية حرجة.
كل الدلائل تشير بأن المعارضة ستخذل جماهيرها هذه المرة، ولكن على المعارضة أن تعلم بأن ذنبها هذه المرة لن يغتفر أبدا، وبأنه لا أحد سيعطي أهمية لتكتلاتها ولا لتعهداتها المستقبلية، ما دامت قد عجزت أن تفي في لحظة سياسية فارقة بتعهد بسيط يتمثل في الاتفاق على مرشح رئيسي تتقدم به في انتخابات رئاسية حاسمة.
إذا لم تحدث معجزة في الأيام القادمة، فإن كل الدلائل تشير بأن المعارضة لن تتفق على مرشح رئيسي، وإذا ما أردتم الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عدم اتفاقها، ففتشوا عن تلك الأسباب في النقاط الثلاث التالية :
1 ـ الخلاف الأيدلوجي بين حزبين معارضين كبيرين، حيث أن جماهير أحد الحزبين وربما بعض قادته لا يرضون بالانخراط في حملة لصالح رئيس حزب أيدلوجي منافس.
2 ـ زهد حزب معارض كبير في الانتخابات الرئاسية القادمة بسبب غياب رئيسه عنها، ومحاولة هذا الحزب فتح قناة اتصال مع مرشح النظام. هناك حزب معارض آخر كان حزبا حاكما في فترة سابقة حاول هو أيضا أن يفتح تلك القناة مع مرشح النظام.
3 ـ إصرار أحد قادة الأحزاب الصغيرة على ترشيحه للرئاسيات كمرشح رئيسي للمعارضة، وذلك على الرغم من عدم تمكنه من الفوز بمقعد في البرلمان.
تلكم هي أهم الأسباب التي تقف وراء عدم اتفاق المعارضة على مرشح رئيسي، فأين هي الروح الوطنية العالية؟ وأين هي المسؤولية الحقيقية؟ وأين هو تغليب المصلحة العليا للبلد على المصالح والطموحات الضيقة؟
وبكلمة واحدة أين ما جاء في الفقرة الثانية من وثيقة إعلان المبادئ التي وقعها قادة إحدى عشر حزبا معارضا في يوم 17 يناير 2019 بقاعة أحد فنادق العاصمة؟
أما فيما يخص خيارات المعارضة، والتي أصبحت خياراتها محدودة جدا وصعبة جدا بسبب تأخر الوقت، ففي اعتقادي بأن هناك ثلاث خيارات صعبة على المعارضة أن تختار واحدا منها :
1 ـ اختيار محمد ولد مولود مرشحا رئيسيا، وهنا ستواجه المعارضة مشاكل حقيقية في تمويل الحملة، كما ستواجه مشاكل أخرى تتعلق بتراجع حماس جماهير بعض الأحزاب الأخرى، فأحزاب المعارضة حتى وإن تحالفت فهي تبقى في النهاية أحزاب سياسية متنافسة فيما بينها. نقاط ضعف هذا الخيار تتمثل في غياب تمويل الحملة ولابد للحملة من تمويل، وكذلك في عدم تحمس جماهير الأحزاب الأخرى، وهو ما قد يؤدي في المحصلة النهائية إلى خروج المعارضة بنتيجة هزيلة، وذلك على الرغم من أنها تقدمت للانتخابات بزعيم معارض وبخطاب معارض لا يمكن التشكيك فيه.
2 ـ اختيار سيدي محمد ولد بوبكر مرشحا رئيسيا، وهنا ستواجه المعارضة مشاكل حقيقية تتعلق بالحفاظ على خطابها التقليدي، وكذلك بتسويق مرشحها لدى بعض الشباب المعارض، ولكن في المقابل، فستكون هناك إمكانية كبيرة لاختراق الموالاة، والتي لن تكون كلها على قلب المرشح غزواني.
3 ـ أن تتفاوض المعارضة مجتمعة مع مرشح النظام، وذلك من أجل الوصول إلى اتفاق ما تكون نتائجه المتوقعة أفضل من النتائج التي يمكن تحقيقها من خلال الدفع بمرشح رئيسي.
هذه هي الخيارات التي لا تزال متاحة للمعارضة فيما تبقى من وقت، إن كان قد تبقى وقت، فمثل هذه الخيارات وغيرها، كان يجب أن يكون قد حُسِم منذ عدة أشهر.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل