ممقوتة و قبيحة تلك الحملات التعبيرية وخطابات الكراهية الرائجة أيامنا هذه..وأتذكر أنه في موسم الرئاسات السابقة، سنة 2013، ظهرت هذه الحملات وأشكالها وانتشرت كالهشيم ، فتلقفتها وسائل الاتصال لتدخل جميع البيوت..
هي الأطماع السياسية غير النزيهة وغير الأخلاقية، التي تطفو أيامنا هذه، و للأسف إنها صارت سمة بارزة من سمات التعبير السياسي والمسرحيات الاعلامية لدى بعض الساسة والقوى الوطنية..
لم يسلم من حملات التسهير والتشويه تلك ، لا رئيس الجمهورية. ولا العلماء و لا مشاهير القوم ، ولا الوزراء و لا قادة الأحزاب والرأي و لا المترشحون، و لا الجهات و لا القبائل و لا الفئات ..و لا حتى بعض المواطنين البسطاء..
فهي حالة مرضية وفوضى أخلاقية وإعلامية باتت تهدد اللحمة الاجتماعية وتنذر بانهيار مدمر للكيان المجتمعي ، لا قدر الله..
و الخطير في هذه الظاهرة السياسية أنها لا تنتج وتجير خطاب الكراهية فقط ولكنها تنتج معه تعبيرات ثقافية وأدوات إعلامية يصعب التخلص منها بعد المواسم الانتخابية..وقد يبقى مفعولها ساريا ليحفر في الذاكرة الجمعية والتاريخية، فتكون له عواقب مروعة.
وعلى المزاولين او المتعاطين للشأن العام والسياسي والإعلامي.. أن يضفوا الأخلاق وقيم النزاهة والمحبة على خطاباتهم، مهما كانت وضعياتهم و مستوياتهم وأيا كانت أطماعهم في الحكم أو الحاكم.. إن مجتمعا تغلب فيه الأمية و يتوزع إلى فئات ويتكون من أعراق..
ليس بحاجة إلى مهيجات أخرى لتشتيته أو تفريقه.. و بدون شك أن التنوع الثقافي مصدر غنى ووحدة وقوة..
إذا استعمل في إطاره الصحيح على أساس قبول الاختلاف والاعتراف المتبادل ..وهو الأساس الذي له قوائم في شرعنا الحنيف وفي معطيات الديمقراطية التي هي في الأصل التسير المحكم للاختلاف.
وهناك بون شاسع بين الوحدة المبنية على الاختلاف وبين الاختلاف الموحّد..الأول اعتراف بالآخر وهو قاعدة الديمقراطية، والثاني شكل من أشكال التعبير و الاستعباد والقهر، ونفي الآخر.. إن العصر الذي نعيشه ، عصر المعلومة« السائبة» وعصر «التفاهة» والرويبضة، هو أخطر عصر عاشته الإنسانية بما لوسائل الاتصال فيه من قوة على التأثير ونشر الأخبار والمعلومات، وأي مجتمع لم يتحصن فيه ولم ينتج من ذاته أدوات ناجعة ومستويات أخلاقية و ثقافية تتعالى على الصراعات الوهمية، هو مجتمع محكوم عليه بالموت.
لا أعتقد أن القوانين وحدها كافية للقضاء على تلك المسلكيات وأنواع الخطابات المدمرة ، ولكن السلوك العام والالتزام الأخلاقي والأسلوب المهني، والديني، من أنجع الوسائل وأقواها للفتك بأعداء الأمة والوطن.. فليوقع قادة الرأي والأحزاب والنقابات والاعلاميون .. على ميثاق شرف يعمل به الجميع ويلتزم به أخلاقيا، فيكون درءا مباشرا ووقوفا صادقا وأحزان في وجه المتاجرين بتوعنا وثقافتنا الثرية والغنية بعوامل الوحدة والمحبة والسمو الأخلاقي. حفظ الله موريتانيا من كل سوء..