أثار تسجيل صوتي منسوب للأستاذ كمال ولد محمدو نقاشا كبيرا وردود أفعال واسعة في الواتساب وفي فضائنا هذا، بسبب ما حمله من ذم قادح وأسلوب شاتم ضد جهات معينة، وما حمله من عصبوية جهوية، ولكن أغلب هذه الردود لم يحاول نبش ما وراء التسجيل، إذ ليس سوى انعكاس لأحد أمراض مجتمعنا المزمنة وهو الجهوية.
داء الجهوية داء عضال، وينخر جسم البلد كل البلد، ولكن المرّ فيه أن يأتي من نخبة متعلمة، فالشخص المعني ـ إن صدقت نسبة الفوكال إليه ـ خريج جامعة الصوربون، وشاب مدني افتراضا، وهذا يعطي نموذجا من مثقف هذه الأرض، إذ الرجل ليس بدعا من كثيرين من نوعه من كل الجهات، فما نعيشه في صالوناتنا وما نقوله من تنكيت وقدح أحيانا في حق كل جهة أمر معاش يوميا، ويقل منا من لا يسمع منه ما يريد، ومن أقرب مقربيه، أو ينتجه هو شخصيا، صحيح أن البعض قد يكون أكثر حصافة أو نضجا أو كياسة، ولكن الصور النمطية السلبية متبادلة عند الكثيرين ولدى الكثيرين، وعليكم أن تسمعوا ردود الأفعال ممن يحسبون أنفسهم على الجهات المعنية بالتسجيل، فبعضها طفق ينفث هو الآخر جهوية معاكسة، وقدحا وذما لجهة الشخص لا للشخص
تداويت من ليلى بليل من الهوى / كما يتداوى شاربُ بالخمرِ
هنالك بعد آخر في الجهوية نغفله، أو يغفله جلنا وقد وقع فيه قبل أيام قريبة، وهي المبادرات الجهوية ذات الخلفيات المتعصبة المتسابقة في الولاء الجنوني لمحق الدستور مثلا وتأبيد النظام، وقد جاءت من كل الجهات وبأغلبية مريحة نسبيا، وجمعت السيئتين سيئة ضيق الخلفية وإحياء نعرتها، وسيئة محاولة الإجهاز على أمل التناوب السلمي في البلد، والغريب أن بعض من ينتفضون الآن ضد "فوكال"
ـ مجرد فوكال ـ كانوا وقود هذه المبادرات الجهوية، وسيكونون وقود أخرى، وقس على ذلك المبادرات القبلية الحالية واللاحقة والسابقة، فهل تريدون بناء جهوية في نمط معين ونقدها في نمط آخر؟ وهل تريدون الحفاظ على كيانات وخلفيات ضد الدولة الجامعة وتبنيها ثم ينتفضون إن تطايرت عليكم شظايا ذلك؟ وهل تريدون أن تعيشوا تبثوا الجهوية بوجهيها "الناعم" الولاء والتفاخر والتعصب، و"الخشن" الهجوم على الجهات الأخرى سرا وعلانية ووسطا، نخبة وعواما، ولا تكتوون بنفس الشهاب؟!
إن عزاءنا في هذا الوطن هو ذلك التيار الواعي الوحدوي الذي رفض قبل أيام فكرة المبادرات الجهوية من جهاتها وهاجمها، وقد حصل ذلك في كل الجهات ومن شباب متميز، ويرفض الآن وسيرفض كل إثارة للنعرات أو إشعال للفتنة أو إجهاز على ما تبقى من جنازة الوطن، سواء بالمبادرات القبلية، أو العنصرية والعنصرية المضادة، أو بالانتماءات الجهوية أو بهذه الاحتكاكات السخيفة.
محمد الامين سيدي مولود