تعانى السياسة الرسمية الموريتانية من الاختطاف ،منذو ١٠ يوليو تموز ١٩٧٨. عقود من الزمن عانينا فيها، من الانقلابات و حكم العسكر ،و أستعملت القوة المباشرة ،مرات عديدة،ضد المناوئين ،بدل القوة الناعمة و الأساليب الحضارية،للاستيعاب و إطفاء شوكة التمرد السياسي ،بالطرق السلمية .
و مازالت الثكنة فى موريتانيا، تقود و تهيمن على الشأن العام الوطني ،دون أن يلوح فى الأفق القريب،أمل فى حكم سياسي مدني ،يمكن الجيش من ممارسة دوره الأمني الجمهوري،بعيدا عن ساس يسوس،التى عمقت الانتهازية و الطمع الواسع المشين،فى عقليات كبار ضباطنا،و حولتهم إلى تجار و طلاب ثروة و ترف ،بعيدا عن ساحات المهمة العسكرية التقليدية النبيلة!.
هذا الوضع عاشته دول عربية عديدة،و ما حكم بلد من قبل العسكر ،إلا ظل يرفس فى القيود و الأزمات ،و رغم التركة الثقيلة ،للحكم العسكري فى وطننا،إلا أن النتيجة فى موريتانيا ،بالمقارنة مع دول عربية و إفريقية أخرى،كانت أخف.لكن تبقى نهاية المشوار ،غامضة و مثيرة،و هو ما يستدعى باستمرار ،التأكيد على خطورة الصراعات والفتن.
فلنحاول التملص من حكم الثكنة الاستبدادي ،الضيق الأفق،فى أغلب الحالات،لكن بسلمية و حكمة و تعقل و تدرج ،حتى لا نخوض فى الوحل الممزق المدمر .
ليس من المقبول أن تظل السلطة باستمرار،بيد العسكر،رغم تناقض مهمته مع السياسة و ضيق أفق الرؤساء العسكريين ،فى التعامل مع الرأي الآخر .غير أن هذا لا يفتح المجال ببساطة، لاعتماد طريقة متعجلة ،لبتر صلة هؤلاء بالحكم،بأسلوب لا يضمن التوازن و الاستقرار .
و فى سياق انتقاد حكم العسكر،قرأت مرارا فى الأسابيع الأخيرة،فى فيس بوك بوجه خاص،الاعتراض على المرشح الرئاسي ،محمد ولد غزوانى،بحجة انتمائه السابق للجيش ،و أنه إنما يمثل استمرارا لنظام ولد عبد العزيز،بل هو على رأي البعض نسخة طبق الأصل منه.
و باختصار أود القول ،إجمالا لا تفصيلا،إن الوضعية التى يعيشها البلد،من تزاحم النزعات العرقية و الجهوية و الشرائحية و الإقدام على مرحلة غازية و ضعف المعارضة و إختراقها،من طرف بعض المتنطعين،مثل بوعماتو و بيرام،يستدعى اللجوء مؤقتا إلى حاكم قوي،يستند إلى سند شعبي و أمني ذى بال ،يساعد على حفظ الاستقرار و الحوزة الترابية و الثروات الوطنية.
و قد لا يعنى هذا، أن العهدة الرئاسية الثانية،ستكون لولد غزوانى مجددا أو لخليفة عسكري مماثل.فوقتها قد يصر الشعب على منحى سياسي مدني جمهوري،قد يقطع الصلة نهائيا مع حكم الثكنة،لكن الأمور تأخذ فقط،بإذن الله،بالتدرج و السلمية و الحذر من المزالق .
أما كون ولد غزوانى سيكون نسخة طبق الأصل من عزيز،فهذا نقاش طويل عريض،لكن ما هو متاح من حرية الصحافة و التعبير،عندما تستغلونه،قد يفرض على ولد غزوانى و نظامه، المزيد من العطاء و التغيير الجاد ،إن شاء الله .
بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن