في التاريخ الإسلامي والهدي النبوي عنوان ضخم في التشريع والسيرة اسمه خطبة الوداع وهي خطبة عظيمة اشتملت على تعليمات نبوية جليلة خاضت مفصِّلة ومجملة في الحقوق والواجبات ،
فأوصت بالتقوى وحرمت الدماء والبغي وحصنت الأموال ووضعت الربا ومحاباة الأقارب ،
وساوت بين الناس وأسست للمعايير وجعلت التقوى رأسها وأوصت بالنساء خيرا ؛
وحرمت التقاتل وأبانت عن دستور نبوي من الوحي بشقيه الكتاب والسنة لن نضل ما تمسكنا به.
لقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسن في هذه الخطبة سنة حسنة في سلوك القيادة الحادبة على الأمة المشفقة على الرعية حيث تترك لها من الخِبرات والحماية والهدي القويم والسمت البليغ ما ينفع الناس ويمكث في الأرض ، فتتوارثه الأجيال سننا حميدة تدفع إلى الخير وتبقي الذكر الحسن للقائد الذي يترجل محبوبا متعَلقا به لا مذموما مودعا بالسخط.
ظلم الوداع :
تذكرت هذه الخطبة العظيمة وأنا أتأمل نقيضها في وداع الرئيس عزيز الذي يصر على استخدام السلطة متعسفا في إيذاء أبناء وطنه ليخرج من الحكم مودّعاً بدموع الأيتام والأرامل والمساكين الذين حرمهم من مصدر رزق كان يسد بعض حاجتهم وتدبيرا لم يكن لهم سواه لينضافوا بذلك إلى مئات الآلاف من الذين أذاقتهم سياسة النظام الجوع والعطش والمذلة في وطنهم.
لقد كانت هدية الختام من عزيز لفقراء بلده كومة من الظلم مجتمعة مع حقنة بليغة من اليأس وزعها عليهم في بقية أيام حكمه الحسوم النحسات،
تلك الايام التي صوح فيها نبت الفضائل وأنبت فيها قتاد الغضب الذي سقي بعلقم الظلم وتصفية الحسابات ، إنها سنوات عزيز التي حولت البلد إلى أعجاز نخل خاوية.
نعم ودع عزيز الفقراء الذين امتطى عظامهم النخرة بدعاية كاذبة خاطئة ، تناثر عويلها جعجعة بدون طحين طيلة عقد من الزمان ويزيد، ودع عزيز الفقراء بمظلمة الوداع فأغلق الخير الذي كان يدر عليهم قليلا من المال لكثير من الجوع!!!
قطع عنهم قليلا من الدواء لوفير من المرض
ومنعهم قليلا من التعليم لمعتمٍ من الجهل!
وزع عزيز قرار الحرمان ذاك فاتسع لخمسة آلاف وخمس مائة يتيم مع أمهاتهم الأرامل وزاد فحوت القرارت ثلاث مائة أسرة معدِمة كانت تتلقى ما يسد خلتها فحاربها عزيز في أرزاقها وكأنها كانت قذى في عينيه فلم يستقر له قرار حتى جمع عليها حلقات الفقر وراكم عليها لبنات الظلم.
ودع عزيز أسر الايتام بمظلمة الحرمان التي جعلت أمهات الأيتام يلتفتن يمينا وشمالا في حيرة وقنوط لا يعرفن طريقا لإطعام صغار غيب القدر آباءهم ، ورمت النوائب بتدبير أقواتهم لأمهات لا يملكن حيلة غير ما تجود به قلوب رحيمة وتدبره الأيادي الحانية على الضعاف والمساكين ؛
فاليستعد أصحاب القرار والمحرضون عليه لدعاء حار من أرملة مكلومة انقطع أملها من تدبير ويتيم يتضور من جوع فرض عليه ظلما وبطرا وانصياعا للأجنبي ؛
تأتي قرارات الوداع؛ لتؤكد أن تلك التصرفات خارج التغطية القانونية ومنطق الدولة الحديثة الراعية لأبنائها بعدل ومساواة. تأتي لتؤكد أن نظام ولد عبد العزيز يحارب الاعتدال ويدفع إلى التطرف.
فالذي يسد على الناس منافذ العمل السلمي والاجتماعي هو من يدفعهم دفعا إلى اليأس والقنوط من التغيير عبر تلك الوسائل المفيدة والسلمية ويصرف الشباب المتحمس إلى ساحات أخرى يدعي النظام أنه يحاربها ؟
من حق القائمين على جمعية الخير وغيرها طرح سؤال ملح ماذا لو كان مقر الجمعية في إحدى الدول الصليبية ؟ هل كان مصيرها الحل بتلك البساطة وهل كان القضاء هنالك سيتجمد متفهما تلك القرارات الجائرة ؟؟؟
كل ذلك مع شعور طافح بالغبن والحيف وأنت تشاهد الترحيب الحار بأموال الكنائس تجوب البلاد لا معترض عليها من الدولة ولا متتبعا لها من المخبرين؟؟؟؟؟
قبل سنوات كتبت مقالة تحت عنوان: 'هل وصلت الرسالة؟' طالبت فيها بمراجعة اندفاعنا نحو البناء والتشييد في ظل أنظمة لا تقيم وزنا لمنطق العدل، بل تتخذ الدولة التي يفترض فيها الحياد والعدل
وسيلة لدمير المنجز. وقلت إن جهودنا الخيرة تحتاج بيئة ما لم نتكاتف مع الطيف الوطني لايجادها ستظل جهودنا في مهب ريح هوى السلطان .
التصرفات الحالية تعطينا رسالة واحدة مفادها أن دولة القانون والعدل ما زالت منا بعيدة المنال وأن منطق (السيبة) هو الحاكم الفعلي فهل يستفيد الحالمون بالعافية بالبعد من السياسة من قرار التصفية لمجرد الوجود أليست حرب النظام على الفعل المؤثر والمجدي ولو كان تمتمة؟ فهلموا إلى السياسة وألوان النضال حتى تتحرروا من نظام الوصاية على الشعب والامة .
محمد غلام الحاج الشيخ