ليس من فلترة أنقى من اختيار الشعب عن طريق اقتراع عام؛ ومع ذلك تقر الديمقراطيات العتيدة للترشحً التصفية داخل المترشحين لرئاسة الجمهورية من خلال شرط التزكية يطرح فى النظام الجمهوري إشكالا حادا حول كيفية التوفيق بين الفاعلية والجدية، والوفاء للمبادئ الديمقراطية !
إلزام المترشحين بالحصول على التزكية يرتب بالمقابل الحق فى الحصول على تلك التزكية.
المادة (المادة 5/جديدة) من الأمر القانوني رقم 91-027 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991 المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، المعدل بالقانون النظامي رقم 2012-028 بتاريخ 12 إبريل 2012، تنص على :
"لا يقبل الترشح لرئاسة الجمهورية إلا بعد الحصول على تزكية مائة (100) مستشار بلدي على الأقل من بينهم خمسة (5) عمد
ويجب أن يكون هؤلاء المستشارين ينتمون لأكثرية الولايات. كما لا يمكن لأي منتخب أن يزكي أكثر من ترشح واحد ..."
يتم الشطط فى استخدام هذه المادة، حين السماح بالسعي للحصول على تزكيات زائدة على العدد المطلوب لقبول الترشح؛ لأن ذلك يحول التزكية التى هي وسيلة لتحصين الترشح للوظيفة السامية من العبثية، إلى أداة صريحة لإقصاء المنافسين المحتملين قبل الاقتراع.
عبارة "على الأقل" لا معنى لها فى السياق؛ فهى واردة فى ما لا يمكن التحكم فى حده : كالعمر مثلا فى صيغة المادة 40 من الدستور" ولا يقل عمره عن 40 سنة ..."
أما فى ما يتحكم فى حده وعده، فليس من مبرر للزيادة فيه على المطلوب.
لان المجلس الدستوري هو الذي :
" يستقبل ملفات الترشيح ويبت فى صحتها ..." (المادة 26/ الدستور)؛
وهو من :
" يتأكد من قبول المترشحين " (المادة 6/ القانون النظامي رقم 2012-028 بتاريخ 12 إبريل 2012، المعدل)؛
له وعليه أن :
- يمتنع عن إضاعة وقته الثمين فى التأكد من صحة تزكيات لا تغير من الأمر شيئا.
-أو أن يتعامل معها صراحة بنقيض نية صاحبها؛ فيعتبرها تزكيات تم الحصول عليها لقطع طريق الترشح لرئاسة الجمهورية أمام المنافسين، خرقا للدستور ولقواعد المنافسة الشريفة على أصوات الشعب.
للمجلس فعلا وعليه أن يتصرف كذلك، وليس فى تصرفه على ذلك النحو من تهديد لحق مترشح فى الحصول على التزكية، كما ليس فيه إلزام لمنتخب بمنحها لمرشح لا يريد منحه إياها؛ هو فقط يضع شرط التزكية فى نصابه ويمنع توظيفه خارج سياقه والمنتظر من اشتراطه.
خطر توظيف شرط التزكية يتجاوز ذلك؛ فحرمان قادة سياسيين حصلوا فى آخر استحقاقات رئاسية على نسبة معتبرة من أصوات ناخبين على وجه التحديد والتعيين، من مجرد الترشح لرئاسة الجمهورية، يطعن فى مصداقية العملية برمتها، ويذكى الشعور الكامن والمعبر عنه بالغبن والتهميش، ليس لدى أولئك القادة فحسب، بل لدى شرائح واسعة من من يصوتون لهم بالعادة.
مصلحة المترشحين المؤهلين لكسب ثقة الشعب وتسيير البلاد لخمس سنوات قادمة أكثر من غيرهم؛ انتخابات يشارك فيها الجميع تكون حرة ونزيهة، تحسم نتائجها مسألة الشرعية، وتسمح بالتفرغ كليا للاشتغال بالعمل الجاد لتغيير الحال لما فيه خير العباد والبلاد، وكفى به شاغلا.
ذ/ يعقوب ولد السيف