كأنهم آخر من يعنيه الأمر، فيما كانت الوثائق التي سربها، تخدم العرب والمسلمين، بالكشف عن الجرائم الأمريكية في العراق وليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان وغيرها من بلاد المستضعفين.
جوليان أسانج، الصحفي الإلكتروني مؤسس موقع " ويكليكيس" يواجه بسبب فضح الجرائم الانغلوامريكية لائحة اتهامات قد تقود رقبته إلى حبل المشنقة.
تقول السلطات الأمريكية إن أسانج حصل على قرابة 90 ألف تقرير حول عمليات القوات الأمريكية في أفغانستان، وما يقرب من 400 ألف تقرير عن عمل القوات الأمريكية في العراق، ووثائق خاصة عن 800 معتقل في سجن غوانتانامو، إضافة إلى 250 ألف برقية لوزارة الخارجية الأمريكية.
ولعل أخطر ما كشف عنه موقع "ويكيليكس" مقطع فيديو مروع يوثق هجوما متعمدا شنته طائرة أباتشي أمريكية عام 2007 على مجموعة من المدنيين العراقيين، في أحد أحياء العاصمة العراقية بغداد، أودى بحياة 12 شخصا، من بينهم صحفيان يعملان لصالح وكالة رويترز، وفضح انتشاره الجانب الخفي للعمليات العسكرية الأمريكية في العراق بالصوت والصورة.
وفي مقابلة مع قناة "RT" بثت عام 2010 تحدث جوليان أسانج عن أهمية الوثائق التي كشفها الموقع حول العراق، قائلا إنها " تكشف عن إحصاءات لأعداد الضحايا من القتلى والجرحى تختلف عن تلك التي أعلنها الجيش الأمريكي، إضافة إلى وقائع التعذيب والتستر عليها على مدى السنوات الماضية.
وأشار إلى أن الوثائق التي نشرت تؤكد أن هناك 15 ألف قتيل من المدنيين العراقيين فوق العدد الذي كان معلنا في السابق.
وقال "حتى الآن أحصينا 122 ألفا من الضحايا المدنيين. هذه الوثائق كشفت عن 15 ألفا لم يكونوا موثقين من قبل. وهو رقم كبير لعدد من الناس تم تجاهلهم. عدد يمثل في حقيقة الأمر خمسة أضعاف ضحايا الحادي عشر من سبتمبر/أيلول"
وكشفت الوثائق عن وقائع تعذيب على أيدي قوات التحالف سبقت أحداث سجن (أبو غريب)، وعن وجود سياسة واضحة، غير معلنة، بعدم التعرض لأي ممن يقومون بعمليات التعذيب بأوامر من الحكومة العراقية.
ويتضح أن هناك الآلاف ممن عذبوا على يد جلاوزة الحكومة العراقية. وثمة من اعترفوا بأنهم إرهابيون ليحال ملفهم إلى الجانب الأمريكي ويخفف عنهم العذاب قليلا.
وقال أسانج "هكذا يتم العبث بالقانون إلى حد ذبح أناس استسلموا."
وشدد أسانج حينها على أن الهدف من الكشف عن الوثائق الخاصة بالحرب على العراق، هو دفع الناس لوقف دعمهم للحرب بعدما اتضحت لهم الحقيقة من دون تزييف.
يمكن مقارنة ما كشف عنه الصحفي الأسترالي، الشجاع، من أسرار ووثائق، تستهدف العرب، بما تم الكشف عنه من معاهدات سرية بين الدول الاستعمارية، فرنسا وبريطانيا، بعد الثورة البلشفية في روسيا، أو ما يعرف باتفاق "سايكس بيكو" على تقسيم العالم العربي ونهب ثرواته.
وإذا كان نشر البنود السرية لاتفاقية" سايكس بيكو"، وفق غالبية المؤرخين، أحد الأسباب الرئيسية، للنهوض القومي العربي، فإن العرب الذين، كشف لهم أسانج عن جرائم التحالف الانغلوأمريكي؛ لم يستثمروا ذلك الكم الهائل من الوثائق، في مقاضاة المجرمين.
المفارقة أن "ويكيليكس" تحول إلى مادة لتلفيق قصص وتسريبات كاذبة، برع فيها الذباب الإلكتروني من مختلف البلدان العربية، في حملة قذرة للتشويه المتبادل تستغل جهل غالبية مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي باللغات الأجنبية، وراح الذباب يدبج قصصا وحكايات وينشر وثائق مزعومة، لا تمت لموقع ويكيليكس الرصين بصلة، وتسي لمؤسسه الذي ضحى بحريته من أجل الكشف عن نفاق وكذب" الغرب الليبرالي الديمقراطي" .
اللافت أن جوليان أسانج، وخلافا للمبرمج السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية، إدوارد سنودن، لم يدرك في البدء خطورة ما يقوم بنشره من وثائق، وظل يتنقل بين دول الغرب "الديمقراطي". أما سنودن، الذي يعرف أكثر من غيره؛ خبث ودموية أجهزة الاستخبارات، فقد لجأ إلى روسيا، بعد أن فضح أساليب أجهزة المخابرات الأمريكية في المراقبة والتنصت على ملايين البشر من سكان كوكب الأرض الذي حولته المخابرات إلى سجن زرعت فيه ملايين الكاميرات والميكرفونات عبر" تويتر" و"فيسبوك" و"واتساب" وكل وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى.
كان أسانج يردد أنه يكره الكذب ولا يريد أن يكذب عليه أحد. ولعل الحكومات التي فضحت وثائق" ويكيليكيس" المسربة لجرائمها وخنوعها لإرادة " الأخ الأمريكي الكبير"، تشعر بالسعادة، لأن النفاق والكذب انتصر مرة أخرى على النزاهة والصدق والشرف.
سلام مسافر