انقـــلاب عســكري على نظام الأسد في سوريا…وهذه تفاصيله

اثنين, 04/15/2019 - 16:53

لا يمكن وصف ما يجري في سورية اليوم، من تطاول روسي على سلطة الأسد ونظامه وداعمه الإيراني، جيشاً أو أجهزة أمنية، إلا بأنه انقلا ب عسكري، ولكن ليس بأدوات سورية أو بهدف انتزا ع السلطة لمصلحة المنقلبين، كما حال الانقلا بات في البلدان العربية، إنما هو انقلا بٌ لتغيير وجه النظام إعلامياً، وتغيير موازين القوى أمنياً، وإنهاء ملفات المنطقة سياسياً، بما يضمن مصالح إسرائيل وأمن حدودها، ورغبتها في استقرار التطبيع “فوق الطاولة” معها عربياً، وفق ما يمكن تسميتها صفقة القرن التي أنتجت مفاهيم جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، وصنعت أجندةً جديدةً لأولويات شعوب المنطقة، ليس من بينها تحرير ما ا غتصب من أراضيها، بل ترويضها وتدجينها تحت طائلة معا قبتها بأنظمتها الاستبد ادية إلى الأبد.

ولكن، وفي حقيقة ما جرى، لم تكن سورية في منأى عن حدوث انقلا ب عسكري وشيك من داخل النظام، وعبر رموزه الحاكمة في مواقع حزبية وأمنية وعسكرية، وحتى مدنية، على طريقة ما يحدث اليوم في البلدان العربية، ينهي حكم الأسد نظاماً وعائلة. إلا أن التعقيدات والتفاصيل التي تربط أجهزة الدولة الأمنية بالأجهزة العسكرية وقياداتها، وقدرة إيران على التوغل داخل منظومة الحكم في سورية منذ الأيام الأولى التي عمّت فيها التظاهرات في درعا، ثم امتدت إلى باقي المدن السورية، بدءاً من عاصمتها وريفها القريب، امتداداً حتى مدنها في الوسط وعلى مقربة من الحدود على كل انفتاحاتها، أحبطت تلك المحاولات قبل أن تتبلور تارة، أو خلال مراحل تنفيذها، كحال ما جرى لخلية الأزمة التي اجتثت بكامل أعضائها الفاعلين والمؤثرين أمنياً وعسكرياً وانتماءً دينياً.

“التطاول الروسي على سلطة الأسد ونظامه، وداعمه الإيراني، جيشاً أو أجهزة أمنية، ليس سوى انقلا ب عسكري” القيادة القُطرية وبين مكاتب المسؤولين في أجهزة الأمن ووزارة الدفاع، وقد أتاحت لهم اللقاءات التي كانت تجري تحت غطاء تشكيل حكومة حجاب، وفي التوقيت الزمني نفسه، أن يختبروا إمكانية جمع عدد غير قليل من مفاصل القيادات والوزارات ضمن ما يمكن تسميتها حكومة انقلا بية، تدعمها جهات عربية ودولية، لتقو يض حكم الأسد من داخل النظام والأسرة الحاكمة، بعد استنفاذ تلك الدول فرص الوساطة لتغيير مسار الصدام بين نظام الأسد والشعب، الذي اجتمعت إرادته على التغيير الكامل لنظامه. وهنا يمكن الربط بين انكشاف تحركات الانقلا بيين وتوقيت عملية إطاحتهم (18 يوليو/ تموز 2012)، التي جاءت بعد تشكيل حكومة حجاب بأقل من شهر، وتسارع حركة هرب بعض القيادات في الجيش والأمن من سورية بعد عملية الاغتيال المدبرة.

والحديث هنا عن انقلاب ثلةٍ من الأسماء المعروفة في النظام السوري، لتغيير مسار الثورة وإزاحة بشار الأسد، لا يعني بالضرورة أنه انقلا بٌ لتحقيق إرادة الشعب السوري، وحقه في تقرير مصيره، وإنما يمكن وصف ما كان يخطط له بأنه “انقلا ب” في إطار احتواء الأزمة أو تبريدها، ضمن ما كان يصفه أحد المشاركين في المخطط بأنه إبعاد للخطر الذي يحدق بالأسد شخصاً وبسورية بلداً، وفي الوقت نفسه، يمكن تفسيره بأنه عملية تصفية حسابات عائلية، تأخر فيها الانتقا م المبيّت، الذي أسهم بتبني صهر الرئيس عملية الانقلا ب المرتقب، إذ انتشرت الحكايات عن خلافاتٍ مصلحيةٍ بين قائد العملية الانقلا بية، آصف شوكت، ونسيبه الأسد، ما جعله أساساً ضمن قائمة الأعد اء المتوقعين، وأسهمت الرقابة المشددة في كشف العملية “المبيتة”، فسارع النظام ومساندوه إلى تفج ير قاعة الاجتماع مع كل مريديه في عملية استخباراتية أودت بحياة كل المطّلعين والمخططين للانقلا ب من أعلى القيادات في الحزب والأمن والجيش. ما يعني أن رئيس النظام السوري استطاع مبكراً أن يطيح الانقلا بيين من جيشه، وأن يستثمر في قتل هم، وأن يحوّلهم من فاعلين متهمين بعملية الانقلا ب إلى ضحا يا للإر هاب الذي يطيح البلاد، مستفيداً من صلة القرابة التي تجمعه مع اللواء آصف شوكت، زوج أخته بشرى الأسد، أحد أهم أهداف التفـ.ـجير الذي طاول مبنى الأمن القومي السوري على وجهين مختلفين:

أولهما تأكيد أن ما يعصف بالبلاد هو حربٌ بين الدولة، التي يمثلها نظامه ورموزه (ومنهم

“انكشاف تحركات الانقلا بيين (18 يوليو 2012)، مرتبط بتسارع حركة هرب بعض القيادات في الجيش والأمن من سورية بعد عملية الا غتـ.ـيال المدبرة” الخلية الأمنية التي تم اغتيـ.ـا لها لتجنب سيناريو انقلا بها الذي كان قاب قوسين أو أقل) ومجموعات إر هابية نافذة، استطاعت التغلغل داخل المجتمع السوري، وصولاً إلى أن يصبح لها أدوات تنفيذية داخل أكثر الأماكن تحصيناً، وهو مبنى أعلى جهة أمنية، حيث بمـ.ــقتل أحد أفراد عائلته ضمن المجموعة التي تم تصفـ.ـيتها، ومنهم: رئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، ورئيس خلية إدارة الأزمة اللواء علي تركماني عضو القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم، ووزير الدفاع داود راجحة ونائبه اللواء آصف شوكت، ما ينفي توجيه التهمة لنظامه أو لداعمه الإيراني.

وثانيهما أنه وجّه رسالة حاسمة إلى قادة الجيش والسلطة، أن المهمة الموكلة لهم لم تعد حماية الحدود المحاذية لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي تحتل، إضافة إلى الأراضي الفلسطينية، الجولان السوري منذ عام 1967، أو تلك الحدود مع تركيا التي تقتطع لواء إسكندرون شمالاً، أو مع العراق العاصف بالأحداث والتفجيرات الإر هابية شرقاً، بل إن المهمة الأساسية هي حماية كيان النظام القائم من الشعب السوري، الذي ينادي بإسقاطه في تظاهرات عمّت معظم المدن السورية آنذاك (منتصف 2012)، ما يوحي بأنها غير قابلة للانحسار، على الرغم من محاولات قمـ.ـعها التي وصلت إلى قتل الجيش والأجهزة الأمنية ما يناهز مائة من المتظاهرين يومياً، واعتقال العشرات، وصولاً إلى ما يزيد عن مائة ألف معـ.ـتقل سياسي، وحصا ر المدن ومنع وصول أغذية الأطفال إليها، أي إنه وضع أجهزة الجيش والأمن أمام خيار الاعتـ.تقال أو الموت، أياً كانت مكانتهم العسكرية أو حتى العائلية، بعد أن أصبح مقـ.تل اللواء شوكت فزاعة النظام بوجه قادته العسكريين والأمنيين، ما حدا برموز قمعية أن تغادر سورية بصمت أو علانية، تحت مسمى انشقاقات ضباط سجلت مئات الضحـ.ـا يا في سجونهم وفي ساحات المدن التي قمـ.ـعوا تظاهراتها.

ربما تجاوزت سورية مرحلة الانقلا ب “المحلي” بسبب طبيعة تكوين الجيش، وربط مفاصله ومصالحهم برئيس النظام مباشرة، إلا أن الانقلا ب الدولي في طبيعة العلاقات المصلحية المتحرّكة بين الدول الفاعلة في الصراع السوري، التي اتخذت من سورية ساحة لمعاركها هو أقسى بكثير في نتائجه على النظام، والشعب بشقّيه المعارض والمؤيد، وسورية الدولة اللينة حتى “الانعـ.ـصار”.

المصدر: العربي الجديد