من الأخبار السارة أن نسمع ـ وبعد طول انتظار ـ عن توقيع مذكرة تفاهم تتعلق بتسوية ديون الكويت على بلادنا. وعلى الرغم من أن الأمر لا يتعلق بشطب أو إلغاء تلك الديون، وإنما يتعلق فقط بمذكرة تفاهم قابلة للتعديل والإلغاء في أي وقت، ولم يكشف حتى الآن عن تفاصيل تلك المذكرة، ولا إن كان لتوقيعها كلفة اقتصادية أو تبعات أخرى.
بالرغم من كل ذلك فسيبقى هذا الخبر من الأخبار السارة التي تستحق أن نتوقف معها، فملف الديون الخارجية، وخاصة منها ديون الكويت يُعدُّ من الملفات التي تؤرق بال كل مهتم بحاضر ومستقبل موريتانيا.
على المستوى الشخصي فإني من الذين تقلقهم هذه الديون وسرعة "نموها"، ومما يزيد من قلقي هو أني لم استفد منها، لا بتوفير فرصة عمل لائق ولا بأي شييء آخر، وعلى الرغم من ذلك فسأكون مجبرا ـ حالي في ذلك كحال غالبية أبناء هذه البلاد المنكوبة في حكامها ـ على تحمل أعباء هذه الديون التي لم تستفد منها إلا قلة قليلة جدا نهبت خيرات هذه البلاد، ولم تكتف بذلك، بل إنها زيادة على ذلك أثقلت كواهل أهلها بالديون.
ولأني من الذين يرون بأن الكتابة في قضايا الشأن العام يمكن أن تصنف إلى ثلاث مستويات، أدناها أن تكتفي بالنقد وكشف أماكن الخلل، وأوسطها أن تقدم مقترحات وحلول من أجل تجاوز الخلل، أما أسماها فهي أن يحاول الكاتب أن يسهم ميدانيا ـ وبما هو متاح ـ في علاج الخلل القائم.
ولأهمية هذا الصنف الأخير فقد حاولتُ ـ ولمرتين ـ أن أجربه في مديونية موريتانيا، وكانت المحاولة الأولى تتعلق بديون الكويت أما المحاولة الثانية فقد كانت تتعلق بالمديونية بصفة عامة، ومع أن المحاولتين لم تريا النور، إلا أن ذلك لن يمنعني من الحديث عنهما هنا، فمن يدري فربما تجد المحاولة الثانية من يعمل بها، أما الأولى فقد ضاعت فرصتها.
لقد حاولتُ منذ سنتين أن أدعو إلى حملة شعبية كبرى تحت عنوان ""أوقفوا قروضكم"، وكانت فكرة هذه الحملة الشعبية تتمثل في التوقيع على إعلان عدم تسديد ديون من طرف أكبر عدد ممكن الموريتانيين، على أن يتم إيصال ذلك الإعلان إلى الدول والمؤسسات المانحة.
وإليكم نص إعلان حملة "أوقفوا قروضكم"، وبمسودته الأولى:"نظرا للمستوى المقلق الذي وصل إليه حجم الديون الخارجية لبلادنا، والذي تضاعف أكثر من ثلاث مرات في الفترة ما بين (2007 إلى 2016) حيث ارتفع من مليار و 239 مليون دولار سنة 2007 إلى 3 مليار و890 مليون دولار، الشيء الذي يعني بأن نصيب المواطن الموريتاني من هذه الديون قد وصل إلى 395 ألف أوقية.
ونظرا لأن الديون الخارجية لموريتانيا قد وصلت إلى نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي.ونظرا لأن هذه الديون التي بلغت مستويات مقلقة لم تنعكس إيجابا على مستوى التنمية في بلادنا، الشيء الذي تؤكده مؤشرات التنمية، حيث ظلت بلادنا في تراجع كبير على كل هذه المؤشرات، فمتوسط الدخل الفردي في تراجع، والبطالة في ازدياد، والأسعار في ارتفاع، ونسبة الأمية في تصاعد، والتعليم ينهار، والصحة ليست على ما يرام.ونظرا لأن هذه الديون قد تضاعفت في فترة كان من المفترض فيها أن تبتعد الدولة عن الاقتراض بسبب الطفرة التي حصلت في الموارد :
ارتفاع أسعار الحديد بشكل كبير في الفترة ما بين 2008 إلى 2013 ؛ الانخفاض الكبير في أسعار النفط والذي حقق للخزينة موارد هائلة، نتيجة لرفض السلطة تخفيض أسعار المحروقات مثلما فعلت حكومات الدول المجاورة؛ هذا بالإضافة إلى ارتفاع الضرائب وبيع الأملاك والعقارات العامة...
ففي هذه الفترة التي تضاعفت فيها الموارد سنجد بأن السلطة قد تقترض في بعض الأحيان لمرتين لتمويل مشروع واحد، مثل ما حصل مع تمويل خط كهربائي عالي الجودة بين نواكشوط ونواذيبو، ففي يوم الأربعاء الموافق 23 ـ11ـ 2011 وقعت بلادنا مع الصندوق السعودي للتنمية على تمويل قرض بقية 29 مليار أوقية لإنشاء هذا الخط العالي الجودة، وفي يوم الأربعاء الموافق 04 ـ10 ـ 2017 وقعت بلادنا على اتفاقية يقدم بموجبها بنك تشجيع الصادرات الهندي قرضا بقيمة 39 مليار أوقية لإنشاء نفس الخط العالي الجودة!!
ونظرا لأن هذه القروض الضخمة لم تستفد منها إلا شرذمة قليلة تتحكم في مقاليد الحكم، وذلك على الرغم من أنها ستسدد من طرف كل الشعب الموريتاني وعلى حساب رفاهية أجياله القادمة..
نظرا لكل ذلك فقد قررنا أن تطلق حملة واسعة تحت شعار"أوقفوا قروضكم"، وستستهدف هذه الحملة كل مؤسسات التمويل وكل الشركاء الأجانب الذين ستسلم إليهم رسائل موقعة من طرف عدد كبير من الموريتانيين تطالبهم بوقف قروضهم إذا لم تكن لديهم قدرة رقابية كافية للحيلولة دون ذهاب تلك القروض إلى الحسابات الخاصة للممسكين بالسلطة، وسيتم إشعارهم من خلال هذه الرسائل بأنهم إن استمروا في منح قروض تذهب إلى الحسابات الخاصة للممسكين بالسلطة، فأن الشعب الموريتاني لن يكون ملزما بتسديد قروض لم يستفد منها ولم تستفد منها الدولة الموريتانية، لم يستفد منها إلا أفراد قلة يتولون مقاليد الحكم في هذه الفترة من تاريخ البلاد، والتي وصل فيها حجم الفساد ومستوى النهب إلى مستويات لا تطاق.
أما المحاولة الثانية التي ضاعت فرصتها، فقد جاءت بعد القمة العربية التي انعقدت في نواكشوط، ولعلكم تذكرون أن موريتانيا كدولة تعرضت قبيل انعقاد تلك القمة لحملة إساءة من طرف بعض وفود الدول العربية الشقيقة، فتحدث بعض القادمين من دول عربية فقيرة عن القمامة والبعوض وعن تواضع خدمات الفنادق في العاصمة نواكشوط!في تلك الأثناء قرر أمير دولة الكويت أن يأتي إلى العاصمة نواكشوط يوما قبل القمة، وكان في ذلك رد قوي على تلك الحملة، وهو الشيء الذي جعلني أكتب رسالة شكر لأمير دولة الكويت، وأطالب بتسمية شارع في العاصمة نواكشوط باسمه وهو ما تمت الاستجابة له.
بعد نشر ذلك المقال بأيام تلقيتُ اتصالا هاتفيا من موظف كبير من وزارة الإعلام في الكويت شكرني على المقال وقال لي بأن وزير الإعلام الكويتي، وكان حينها الشيخ سلمان صباح قد كلفه بالاتصال بي وبدعوتي لزيارة الكويت. في البداية اعتذرتُ على أساس أني لم أكتب المقال طلبا لدعوة أو لزيارة، ولكن وبعد أن أوضح لي محدثي الهدف من الزيارة قبلتُ الدعوة. ولقد طلبوا مني في وزارة الإعلام أن أحدد لهم الشخصيات التي أود اللقاء بها، والأماكن التي أرغب في زيارتها، وقد فكرت بالفعل في تقديم طلب للقاء الأمير، وفكرتُ في أن يكون طلبي له خلال اللقاء هو مراجعة ديون الكويت على موريتانيا، ولكني في النهاية قررتُ أن أعدل عن ذلك لأني لا أعرف الكثير عن طبيعة الملف، ولا أعرف إن كان الحديث في هذا الموضوع وفي زيارة كتلك، مناسبا أم لا.
المهم أني ألغيت في نهاية الأمر فكرة طلب لقاء الأمير، واكتفيت بلقاء وزير الإعلام ومدير الهلال الأحمر الكويتي، ومدير الصندوق الكويتي للتنمية والذي قدم لي عرضا وافيا عن المشاريع التي مولوها في موريتانيا وعن استعدادهم لتمويل المزيد، هذا فضلا عن لقاء شخصيات حكومية وثقافية أخرى.
حفظ الله موريتانيا..