فى الحلقة الأولى مررنا على وجه المحاكمة و التقييم، للجوانب السلبية،دون الايجابيات،إن وجدت ،على مرحلة ولد داداه، رحمه الله، و محمد محمود ولد لولى، رحمه الله، و محمد خون ولد هيداله و معاوية و إعل ولد محمد فال رحمه الله،و اليوم نتوقف مع محمد ولد عبد العزيز، و بعض الجوانب السلبية من تجربته فى الحكم .
و باختصار رغم أن ولد عبد العزيز مارس سياسة التنكيل بخصومه،احتقارا و حرمانا و سجنا و مصادرة أموال،و قد قال العرب قدما ،"قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق،إلا أن الطابع الأغلب الأعم الظاهر، كان بعيدا من التصفية الجسدية،التى اعتمدتها جل الأنظمة الموريتانية المتعاقبة، ضد المناوئين لها،و إن كانت ثمة حالات تستدعى تحقيقا، أكثف و أدق.
فما مدى علم ولد عبد العزيز بتفاصيل محاولة اغتيالى، فى السجن المركزى، المجاور لقصر العدل ،يوم الأحد ،٢٧مايو ٢٠٠٧،إبان شكوى ولد بوعماتو،و ما مدى صلة ولد عبد العزيز بالتحرك، من أجل قتل بيرام ولد الداه ولد اعبيدى،بتحريض من محسن ولد الحاج،رئيس مجلس الشيوخ حينها،سنة ٢٠١٢،و قد رفضت بتاتا الجهات المدنية ،التى طلب منها تنفيذ ذلك الاغتيال،تلبية طلب محسن الأحمق،الذى ادعى حينها، أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، على علم بالموضوع و يستحسن إيذاء المعني،بل حتى التخلص منه !.
و من ناحية ثالثة، ما هي التفاصيل المريحة، لموت الشاب، ولد زينى،الذى لم ينتهى بعد الجدل المشروع المستحق،حول أسباب و ملابسات وفاته الغامضة،التى أثارت أكثر من سؤال محرج بامتياز !.
لكن هذا الجانب التصفوي الشنيع لم يكن هو الجانب السلبي الأبرز و الأظهر فى تجربة ولد عبد العزيز فى الحكم،منذو أن تعمق نفوذه فى الرئاسة بعد انقلابه على معاوية يوم الأربعاء،٣أغسطس٢٠٠٥،و بوجه أخص بعد انقلابه على سيد ولد الشيخ عبد الله،يوم الأربعاء،٦أغسطس ٢٠٠٨.
لقد كان الجانب الأخطر، فى طريقة حكمه،استغلال السلطة للتربح الشخصي، بالدرجة الأولى،و بالدرجة الثانية، لأسرته المباشرة و بعض أقاربه و مقربيه،و فى هذا السياق المافيوي الانتهازي، ازداد ضعف الدولة و اقتصادها بشكل خاص،و ظهرت طبقة جديدة، من شطار الانتهازيين،جلهم من أبناء عمومته،و ليسوا رجال أعمال بالمعنى الائق،و حارب بعض أهله اقتصاديا، من جماعته القبلية،مثل بوعماتو و أحمد باب ولد اعزيزى ولد المامى،ممن لم يوافقه سياسيا،و ضرب أقارب معاوية فى قطاع المال و الأعمال و غيرهم،عبر السجن و الضرائب و مختلف السبل،و كان أوج ذلك، عندما سجن الثلاثي،اشريف ولد عبد الله و عبدو محم و محمد ولد نويكظ،و غرمهم و أهانهم إلى وقت خروجه، من السلطة،٢ أغسطس ٢٠١٩،و ذلك على وجه التجريم بالقرابة،لأنهم أبناء عمومة من انقلب عليه،ولي نعمته، معاوية ولد سيد أحمد للطايع،و كان السبب المباشر حينها،دعم الثلاثي المذكور،للمرشح الرئاسي،سنة ٢٠٠٩،أحمد ولد داداه .
و مع مرور الوقت، أتى ولد عبد العزيز و بعض أقاربه و بعض مقربيه و بعض العسكر،على الأخضر و اليابس،و ظهر معه فى الصورة من ظهر،ممن يعرف نفسه و يعرفه القاصى و الدانى.
و فى مقدمة "المرحلة العزيزية"،كان المستفيد الأكبر،من العسكريين،بعد اعل ولد محمد فال، رحمه الله، و محمد ولد عبد العزيز،رئيس البرلمان الحالي،المقدم البحري المتقاعد،الشيخ ولد أحمد ولد باي،صاحب المقولة المثيرة: "امتليت أنا و متلات موريتان"،و فى جناح المدنيين،فى العشرية الأخيرة،ظهر فى الصورة، مع ولد عبد العزيز،و ضمن صفقات مشبوهة، بمليارات الأوقية،سمساره فى كل قطاع تقريبا،رئيس اتحاد أرباب العمال،زين العابدين ولد محمد محمود ولد الشيخ أحمد.
و عموما انتهز عزيز، فرصة ضعف الشعب الموريتاني، و تدنى مستوى وعيه، و تخبط و تخاذل معارضته، و ضعف وارتشاء أغلب الصحافة، و مسالمة الجيش الزائدة ،و ارتهان بعض رموزه،بنزر تافه من المنافع، لا تسمن و لا تغنى من جوع،و تقييد الأجهزة الأمنية، بعقلية و عقيدة، خدمة الدولة و ما بقي من توازنها الهام المحوري،رغم نواقصه و هشاشته المزمنة !.
و على وجه العموم، تم كل هذا الفساد و الإفساد العزيزي العارم الغريب التاريخي ،على حساب السواد الأعظم من الشعب المويتاني، و على حساب أغلب المؤسسة العسكرية،فى أغلب ضباطها و جنودها و أجهزتها الأمنية.
كما استمر هذا الفساد "العزيزي"، دون استحياء،حيث ما فتئ يردد فى كل مناسبة و بغير مناسبة،مكافحة الفساد و المفسدين!.
لقد كان ولد عبد العزيز انتهازيا حتى النخاع،ظلم التجار و ضايقهم و نافسهم فى مهنتهم ، و حرم الكثير من الفقراء، من أبسط حقوقهم، فى المأكل و المشرب و الأمان و الكهرباء و الصحة و التعليم،نظرا لأنانيته و زبونيته فى المنافع و الصفقات المشبوهة !.
و لم يزل يسير الدولة بهذه الطريقة المختلة بجلاء،حتى أضر بالجميع تقريبا، و أفلس الدولة و المجتمع، و أضحى هو شخصيا، ثريا حتى التخمة، و مكروها من قبل أغلب الشعب و مسؤولى الدولة .
و من أراد أن يتأكد،فليستمع للناس فى خلواتهم و مجالسهم الخصوصية !.و لكن أشترط فى محاكمة عزيز أو غيره من الرؤساء،توفر جميع شروط المحاكمة العادلة،و أن تكون مثل هذه المحاكمة،شاملة لجميع الرؤساء،سواءً حضوريا أو غيابيا.
كما أن كل هذا البلاء، من بعض أهم أسبابه فى العهود المتعاقبة، سعة صلاحيات النظام الرئاسي عندنا.فلنحل دستوريا،بعض صلاحيات الرئيس للوزير الأول أو غيره،دون اللجوء للنظام البرلماني الصرف،فهو بوابة التعطيل و الفوضى فى تسيير الشأن العام،و ربما عدم الاستقرار.