لطالما شكلت التعيينات في موريتانيا في ظل الدولة الحديثة معيارا أساسيا لمدى التزام الحكومات بالشفافية وتكافؤ الفرض بين أطر وكوادر الدولة المستقلة .
وكان التعيين في المناصب قد شهد في احلك عهد الفساد الذي عنون فترة الأنظمة المتعاقبة، جهوية بطابع قبلي في قوالب عنصرية، وقفت حجر عثرة في ظل تحقيق أي مستوى من العدالة وتكافؤ الفرص بين ابناء شعب تعود على ثقافة الغبن والحرمان بين أبنائه.
وقد شهدت تلك الممارسات ابشع صورها في عهد ولد الطايع بلغت ذروة ادرامية ، عندما امتنع احد المسؤولين من توقيع دفعة بحجة عدم وجود عنصرين على الاقل من قبيلته، ليسجل له ذلك الموقف وسام شرف خالد ، في مجتمع يؤمن بالمثل الشعبي "الي اتول شي ظاكوا".
وقد دفع الاصرار على تطبيق العدالة الاجتماعية، وبناء دولة حديثة وطنا للجميع وتجاوز تلك الممارسات ، وفتح صفحة جديد تحت اشراف الرئيس محمد ولد عبد العزيز .
وهكذا شهدت التعيينات في عهد الأخير مستوى لافت من الاعتدال والتوازن ، كاد ان يقف من خلالها على مسافة واحدة من الجميع رغم عدم استجابة بعض اعوانه لذلك المبدأ.
وقد شهدت الدولة في عهد عزيز تحولا لافتا ، وتوجها نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والسلم الاهلي والمساواة بين المناطق المكونة للوطن.
ولعل كارزمية الرئيس عزيز وصرامة مواقفه، قد عززت هيبة الدولة ما أتاح فرصة أمام التأثير على الممارسات التي وصفت آنذاك بالأزمة الاخلاقية والسلوكية للمجتمع ، والتي كانت تمارس بصفة عادية.
وعلى سبيل "من لا يدرك كله لا يترك جله" تمكن ولد عبد العزيز من تبني معايير للتعيين تبدوا متوازنة ، لما تراعي على المستويين المعرفي والمناطقي ، قبل ان يتنحى عن السلطة لرفيقه المنتخب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
لكن الرئيس الجديد، وبعد تكليفه لولد الشيخ سيديا بتشكيل حكومته، تعجل بإعلان استقلال قرار وزيره الاول وعدم التدخل له في شؤون حكومته ، ما دفع ولد بده إلى ابداء اتخاذ خطوة مشابهة وجعل الوزراء أمام مسؤولياتهم.. أو هكذا يقال!!.
وقد كشفت التعيينات في وزارتي المالية والصحة عورة بالحكومة ورعونة في تشكلتها أكثر مما أثارت من انتقادات واتهام تردد صداه على كامل التراب الوطني.
وكان وزير المالية سباق إلى تغييراته الارتجالية التي حاول السلام فيها على ولاية اترارزة بتعيين ما أمكن من أطرها في خطوة أظهرت ان قناعا من تلطخ قد نزع قبل أوانه.
وسواء كان وزير المالية قد تكلف عناء البحث عن مناصب لأطر الولاية المعنية او كان ذلك بإيعاز من وزيره الاول، فإن الخطوة قد فتحت الباب واسعا أمام وزير الصحة ليركز في تعييناته على تخصصه المتواضع من باب الزمالة وقرابته، اقتداء بالمثل القائل "الي اتول شي ظاكو" ليعود بالتعيين والنظام إلى أدغال حكم ولد الطايع .
ومهما يكن من أمر فإن ذوق التعيينات المرتقبة مستقبلا لن يكون له طعم مادام الحبل على قارب وزراء لا يتمتعون بأي خبرة سابقة في مجال تسيير بحجم الوزارات.
فقد ايقظت التعيينات الحالية التفاوتات القديمة بين المناطق المكونة للوطن، التي تحمل تاريخا من الغبن والحرمان اتجاه مناطق بعينها رغم وزنها المتشعب، ما يهدد بإثارة الحساسيات ويجعل العقد المنظم للجميع باطل.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر/ المدير الناشر لموقع "صوت"