بناء على ماورد في الاجندة (21) التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة و التنمية المسمى “قمة الارض” و الذي انعقد في (ريودي جانيرو ) عام 1992م و التي تم فيها توضيح فكرة التنمية المستدامة بشكل أدق ,قامت منظمة السياحة العالمية و وكلات دولية أخرى باعداد أجندة (21) مخصصة لقطاعي السفر و السياحة بعنوان: نحو تنمية مستدامة رافقة بالبيئة “, وهي تشرح الدور الذي ينبغي لهذين القطاعين أن يؤدياه لتحقيق تنمية سياحية مستدامة . كما وضعت منظمة السياحة العالمية تعريفا لمفهوم السياحة المستدامة على النحو التالي ” ان التنمية المستدامة للسياحة تقتضي من جهة أولى تلبية الأحتياجات الحالية للسياح و للمناطق المضيفة , و تستوجب من جهة ثانية وقاية و تحسين فرص المستقبل . و التنمية تستدعي ادارة شؤون الموارد بطريقة تتيح تلبية الأحتياجات الأقتصادية و الأجتماعية و الجمالية مع الحفاظ على كل المميزات الثقافية و ملامح البيئة الفطرية و أنظمة دعم الحياة ” .
وهنا نذكر الحكومة الموريتانية ان انشاء الميناء السياحي بقرب من حوض اركين لذي صرح عنه وزير الصيد يضرة البيئية طبيعية للمحمية بالمنطقة.
و ضمن هذا التعريف الاساسي يمكننا صياغة أهداف و أهمية التنمية المستدامة للسياحة كما يلي :
1- صيانة الموارد الطبيعية و الثقافية و غيرها لأجل ادامة استخدامها مستقبلا مع تمكين الأجيال الحاضرة من الاستفادة منها , و تبدو أهمية نهج التنمية المستدامة هنا في أن بقاء القطاع السياحي يتوقف على بقاء امكانيات جذب السياح ذات الصلة بالتراث الطبيعي و البيئي و التاريخي و الثقافي لمنطقة ما , فاذا ما تردت الأوضاع البيئية او اندثرت فان ذلك يعني فقدان مقومات صناعة السياحة , كما أن الحفاظ على الموارد السياحية يمكن تحسينه غالبا عن طريق تنمية السياحة ,فادامة المميزات الثقافية (كالعادات و التقاليد مثلا) من الأمور الهامة في الحفاظ على التراث الثقافي لمنطقة ما , كما أن صون الموارد السياحية يعني ان السكان المحليين سيصبحون أكثر وعيا و ادراكا لقيمة تراثهم ومن تم دعمهم لخطط حماية هذه الموارد .
2- تبني أسلوب التخطيط العلمي لتنمية و ادارة السياحة في المنطقة المعنية بطريقة لا تولد مشاكل بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية , و يفيد التخطيط البيئي و دراسة قدرات النقل كونها وسائل فنية هامة لتفادي نشوء أو استفحال المشاكل البيئية و الأجتماعية و الأقتصادية التي قد تخلفها السياحة .
3- الحرص على استمرار جودة البيئة بكافة جوانبها و تحسين الجودة في المواقع التي تحتاج لذلك , وفي هذا السياق فان السياح عادة ما يرغبون في زيارة مواقع تمتاز بالطبيعة الخلابة و البيئة النظيفة الغير ملوثة , والسياحة يمكنها توفير دوافع و وسائل لصون المواقع و تحسين جودة البيئة عند الحاجة , فجودة البيئة توفر متعة كبيرة لاهالي المنطقة و السياحة تزيد وعيهم لأهمية جودة البيئة و بالتالي دعمهم لخطط الحفاظ على هذه الجودة و تحسينها متى ما اقتضى الأمر ذلك .
4- ادامة رضى السائح كي يستمر في زيارة الموقع , و قد يكون السائح الحالي للموقع بذلك وسيلة للدعاية له عند الآخرين مما يضمن سهولة تسويق الموقع و يصون سمعته , فاذا ما فقد أي موقع قدرته على ارضاء السياح فهو سيفقد حتما الاسواق السياحية و يتلاشى فيه النشاط السياحي .
5- تعميم منافع السياحة على كل فئات المجتمع , ينتج عن تبني مفهوم التخطيط العلمي والادارة الرشيدة في انماء السياحة الى تعميم المنفعة الاجتماعية و الاقتصادية على كل فئات المجتمع المقيمة في الموقع السياحي مما يجعل هؤلاء حريصون على دوام السياحة و اتخاذ المواقف الايجابية حيال ذلك , و جدير بالذكر أن السياحة التي تقوم على مشاركة السكان المحليين هي وسيلة هامة لتعميم المنافع عليهم .
مما سبق تتضح جليا ماهية السياحة المستدامة فهي نقطة التلاقي ما بين احتياجات الزوار و المنطقة المضيفة لهم , مما يؤدي او ربما يعني حماية و دعم فرص التطوير المستقبلي بحيث يتم ادارة جميع المصادر بطريقة توفر الاحتياجات الأقتصادية و الأجتماعية و الروحية , و لكنها في نفس الوقت تحافظ على الواقع الحضاري و النمط البيئي الضروري و التنوع الحيوي و جميع مستلزمات الحياة و أنظمتها .
كما تبين أن استدامة السياحة لها ثلاث مظاهر متداخلة :
– الاستدامة الاقتصادية
– الاستدامة الاجتماعية و الثقافية
– الاستدامة البيئية
و الاستدامة هنا تشتمل بالضرورة على الاستمرارية و عليه فان السياحة المستدامة تتضمن الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بما في ذلك مصادر التنوع الحيوي و تخفيف أثار السياحة على البيئة و الثقافة و تعظيم الفوائد من حماية البيئة و المجتمعات المحلية , و هي كذلك تحدد الهيكل التنظيمي المطلوب للوصول الى هذه الأهداف .
مبادئ السياحة المستدامة :
عند محاولة دمج رؤى و قضايا السياحة المستدامة لاسيما تلك المتعلقة بالسياسات و الممارسات المحلية يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار المبادئ الأساسية التالية :
أن يكون التخطيط للسياحة و تنميتها و ادارتها جزء من استراتيجيات الحماية أو التنمية المستدامة للاقليم أو الدولة , و ان يتم في ذلك اشراك وكالات حكومية و مؤسسات خاصة و السكان المحليين لتوفير أكبر قدر من المنافع .
أن تتبع هذه الوكالات و المؤسسات و الجماعات و الافراد مبادئ احترام ثقافة و بيئة و اقتصاد المنطقة المضيفة و الطريقة التقليدية لحياة و سلوك المجتمع بما في ذلك الانماط السياسية .
أن يتم الاهتمام بالتوزيع العادل للعوائد السياحية بين العاملين في القطاع السياحي و أفراد المجتمع المضيف و سكان المنطقة السياحية .
يجب ان تتوفر الدراسات و البحوث و المعلومات عن طبيعة السياحة و تأثيراتها على السكان و البيئة الثقافية قبل و بعد التنمية ,خاصة بالنسبة للمجتمع المحلي , حتى يتمكن السكان المحليين من المشاركة و التأثير على اتجاهات التنمية الشاملة .
أن يتم عمل تحليل متداخل للتخطيط البيئي و الاجتماعي و الاقتصادي قبل المباشرة بأي تنمية سياحية أو أي مشاريع أخرى بحيث يتم الأخذ بمتطلبات البيئة و المجتمع .
أن يتم تنفيذ برنامجا للرقابة و التدقيق و التصحيح أثناء جميع مراحل تنمية و ادارة السياحة بما يسمح للسكان المحليين و غيرهم من الانتفاع من الفرص المتوفرة و التكيف مع التغييرات التي ستطرأ على حياتهم .
تنمية السياحة المستدامة :
لتحقيق التنمية السياحية الشاملة و المستدامة سنورد جملة من الاجراءات و الوسائل التي من شأنها انجاح المواءمة بين رغبات و نشاطات السياح من جهة و حماية الموارد البيئية و النظم الاجتماعية و تعظيم الفوائد الاقتصادية من جهة اخرى و ذلك بهدف تطبيقها و هي :
1- سن القوانين و التشريعات ذات العلاقة بحماية البيئة على أن تأخذ في الاعتبار ضرورة النظر لمكونات البيئة السياحية كوحدة واحدة أي كنظام بيئي متكامل غير قابل للتجزئة .
2- وجود مراكز دخول في المواقع السياحية لتنظيم حركة السياح و تسهيل المراقبة الحذرة لسلوكهم اتجاه البيئة السياحية , و ايجاد أنظمة و قوانين تضمن السيطرة على أعداد السياح الوافدين و توفير الامن و الحماية بدون احداث أضرار بالبيئة .
3- تحديد القدرة الاستيعابية للمواقع السياحية بحيث يحدد أعداد السياح الوافدين للمنطقة السياحية و تفادي الازدحام و خاصة في المواقع الاثرية و التاريخية حتى لا يؤثر ذلك على البيئة الطبيعية و الثقافية و يعرضها للضرر .
4- نشر الوعي السياحي و الثقافة البيئية بين السكان المحليين , فغالبا ما يكون هؤلاء سببا في التخريب و التدمير البيئي لدواعي مادية مع الحرص على وجود اللوحات الارشادية التي تؤكد على أهمية ذلك .
5- تشجيع اقامة المشاريع التي توفر دخول للسكان المحليين مثل الصناعات الحرفية و التقليدية و العمل كمرشدين سياحيين .
6- تعاون كل القطاعات ذات العلاقة بالقطاع السياحي لانجاح اقامة المحميات الطبيعية و التراثية و ادارتها من قبل كوادر بشرية مؤهلة , واعتماد السياحة البيئية كوسيلة ملائمة لتسويقها و كنمط من الانماط السياحية التي يمكن من خلاله تحقيق التنمية السياحية الشاملة و المستدامة .
خلاصة القول أن السياحة المستدامة غدت منهجا و أسلوبا تقوم عليه المؤسسات السياحية العالمية , كما أن منظمة السياحة العالمية قد سلكت نهج التنمية المستدامة للسياحة و هي تطبق مقتضياتها في كل الخطط و الدراسات التي تعدها لاجل السياحة ,و على غير ما يعتقد الكثيرين فان تطبيق مفهوم السياحة المستدامة لايعد مكلفا من الناحية المالية فله عائده المعنوي و المادي و يعود بالربح و الفائدة على كافة المؤسسات السياحية ,
كما أن تطبيق مفهوم الاستدامة السياحية يعتمد على ثلاثة جوانب مهمة أولها العائد المادي لاصحاب المشاريع السياحية و ثانيها البعد الاجتماعي على أعتبار أن هذه المؤسسات هي جزء من المجتمع المحلي و عليها الاستفادة من الخبرات و الكفاءات المحلية مأمكن , بالاضافة الى اشراك المجتمع المحلي و الاخذ برأيه ,أما البعد الثالث فهو البيئة حيث تعامل هذه المؤسسات على أنها جزء من البيئة , و بالتالي يجب عليها المحافظة على الموارد الطبيعية من ماء و طاقة و نبات و أحياء طبيعية لدرء أي خطر من مشاكل الثلوث والتدهور .
وأخيرا فان تأمين استدامة السياحة يتطلب وجود ادارة رشيدة لتأثيرات السياحة على كافة الاصعدة البيئية و الاجتماعية و الاقتصادية ودراية بتطور أحوال البيئة بالاعتماد على مؤشرات بيئية و ادامة جودة المنتج السياحي و أسواق السياح , فضلا عن المراقبة و المتابعة المستمرة و اتخاذ التدابير العاجلة حالما تنشأ المشاكل , كما ينبغي دعم السياحة من قبل كافة الاطراف سواء السلطات المحلية أو السكان المحليين و مؤسسات القطاع السياحي الخاص و المنظمات غير الحكومية و السياح أنفسهم , و لابد من تنسيق جهودهم بشكل وثيق و تكثيف برامجهم لبلوغ الاهداف المشتركة و تحقيق التنمية السياحية الشاملة و المستدامة .