السياحة كالصناعة عبارة عن صناعة مركبة غير تقليدية تقوم على انتقال السائح من مكان إقامته الدائم إلى المقصد السياحي لأي غرض من الأغراض غير العمل. ويتضح لنا أن السياحة صناعة لأنها تعتمد على العديد من الصناعات الأخرى مختلفة تدخل في تكوين صناعة السياحة. ويتضح أيضا أن السياحة صناعة غير تقليدية لأنها تقدم منتج غير ملموس (الخدمة) بعكس الصناعات الأخرى التي تقدم منتجات وسلع ملموسة.
وتهتم دول العالم على اختلاف مذاهبها الاقتصادية والسياسية بالسياحة نظراً لآثارها الاقتصادية الإيجابية على الدخل القومي. وإذا كانت الدول المتقدمة تهتم بالسياحة فإن الدول الفقيرة والنامية على حد سواء تصبح أكثر حاجة إلى تنمية الحركة السياحية إليها نظراً لأنها (الدول الفقيرة والنامية) تتميز بما يسمى "حلقة الفقر المفرغة" ومؤادها أن قلة الدخل تؤدى إلي قلة المدخرات وهذه تؤدى إلى قلة الطلب وبالتالي قلة الاستثمار التي تؤدى إلي ضعف القاعدة الإنتاجية وهذه تؤدى إلى قلة الدخول العامة التي تعنى بدورها قلة الدخول الفردية وهكذا.
ولكي نكسر هذه الحلقة يتفق الاقتصاديون على ضرورة حقن تمويلي للسوق الداخلي عن طريق الخارج بكميات كبيرة (من التمويل) لكي نكسر إحدى حلقات هذه السلسلة. ومن هنا جاء دور السياحة. وبشكل عام الحكومات تشجع تنشيط السياحة لسببين، أحدهما سياسي وهو توفير فرص عمل لمواطنيها وبالتالي تخفيف الضغط الشعبي عليها، وثانيهما اقتصادي وهو زيادة إيرادات الدخل القومي للدولة. وهذين السببين في الحقيقة انعكس إيجابا بعد ذلك من الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على مواطني تلك الدول وبنيتها التحتية والعمرانية والتاريخية.
وأذكر في إحدى المرات أثناء تواجدي في الجزائر لدراسة كنت اتبادل اطراف الحديث مع أستاذ و أكاديمية والخبير السياحي خطار بو زيان سألني عن السياحة في موريتانيا أجبته السياحة في موريتانيا مازالت العذراء، قال لي: " السياحة تثري؟! .. كيف تثري، أنا أعلم أن التراث يثري، الثقافة تثري، اللغة تثري، ولكن كيف السياحة تثري، أنا لا اعتقد أنها تثري في شيء ...". في الحقيقة إن هذا الكلام استوقفني كثيرا وقلت في نفسي أننا بالفعل كالخبراء و وزارة وحكومة ومجتمع محلي يقع علينا اللوم في عدم توعية الناس بأهمية دور السياحة في اقتصادنا ومجتمعنا! ولربما عدم الإحساس بهذا الإثراء مباشرة على السكان المحليين هو الذي دفع شخص أو آخرين إلى عدم الشعور بأهمية هذه الصناعة.
ومن خلال هذه المقالة المختصرة سأقوم بعرض أهم التأثيرات الايجابية للسياحة وآثارها السلبية في حالة عدم التخطيط التنموي الجيد لها، وبعض المقترحات التي طبقت عالميا ونجحت في التقليل من الآثار السلبية إن وجدت والحد منها، للوصول إلى سياحة مستدامة متكاملة.
أولا: أهم التأثيرات الايجابية للسياحة:
تتمثل ايجابيات صناعة السياحة في التالي:
1. توفير فرص عمل جديدة وبالتالي دخول جديدة للمواطنين.
2. توفير العملة الصعبة وما ينجم عنه من تحسينات في نوعية الحياة ومستويات المعيشة للمجتمع المحلي.
3. زيادة الإيرادات الحكومية من الضرائب والرسوم على المنشآت السياحية والفندقية المختلفة ويدخل في ذلك كل أنواع المنشآت المساندة للسياحة الأخرى كالمطاعم والمقاهي ومراكز الترفيه والاستجمام ..الخ.
4. دعم الأنشطة الاقتصادية الأخرى في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات وذلك من خلال زيادة الطلب على المنتجات الزراعية والصناعية وبالذات الصناعات اليدوية والتقليدية، وكذلك الأنشطة الأخرى التي قد يستخدمها السياح.
5. تطوير خدمات النقل وخدمات البنية التحتية الأخرى من أجل تلبية حاجات قطاع السياحة، وهذه الخدمات بطبيعة الحال لا تقتصر الاستفادة منها على السياح بل تتعداهم لتشمل السكان المحليين.
6. تنشيط قطاع التعليم والتدريب في مجال المهن السياحية المختلفة وتوفير فرص عمل كثيرة للنساء.
7. تشكل السياحة حافزا للمحافظة على عناصر التراث الثقافي في البلد، فهي تبرز عمليات المحافظة على هذه العناصر على اعتبار أنها عناصر جذب سياحي هامة. وتشمل عمليات المحافظة في هذا المجال على العناصر التالية:المحافظة على المواقع التاريخية والأثرية والأنماط المعمارية المميزة، إحياء الفنون التقليدية والصناعات اليدوية والمناسبات الشعبية وبعض مظاهر الحياة المحلية، الدعم المالي لصيانة المتاحف والمرافق الثقافية المختلفة مثل: المسارح، وكذلك تنظيم المهرجانات والمناسبات الثقافية كونها عناصر جذب سياحي للسكان المحليين والزوار من الخارج.
ثانيا: التأثيرات السلبية للسياحة:
إذا لم تكن الأنشطة السياحية مخططة ومراقبة بشكل جيد، فيمكن أن ينشأ عنها تأثيرات سلبية أو تعمل على عرقلة وإعاقة حدوث التأثيرات الايجابية، ومن هذه التأثيرات ما يلي:
1. يفقد المجتمع المحلي الفوائد الاقتصادية للسياحة إذا كانت المرافق السياحية مملوكة من قبل غرباء أو إذا كان معظم المرافق السياحية مملوكة ومدارة من قبل شرائح سكانية معينة تتمتع بمعظم العوائد الاقتصادية، أما باقي المجتمع المحلي فلا يحصل إلا على نسبة قليلة من الفوائد.
2. يقل دور السياحة في توفير عملات صعبة إذا كان جزء كبير من المواد والخدمات المستخدمة لأغراض السياحة مستوردة من الخارج.
3. يعمل تركيز الأنشطة السياحية في مكان واحد أو عدد من الأماكن في الدولة على خلق تشتت اقتصادي، أي فوارق اقتصادية واجتماعية إذا لم توجد تنمية متخصصة في المناطق الأخرى.
4. تساهم السياحة أحيانا في خلق تشتت في العمالة المحلية إذا كانت السياحة تجتذب عددا كبيرا من العمالة المحلية من القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل: الزراعة والثروة السمكية كونها توفر رواتب أعلى وظروف عمل أفضل.
5. تعمل السياحة أحيانا على نشوء استياء من السكان المحليين اتجاه العمالة الوافدة التي تعمل في المرافق السياحية المختلفة وتستأثر بقسم كبير من العائدات السياحية، خصوصا إذا ما كان كبار الإداريون والفنيون العاملون في هذه المرافق من الوافدين.
6. تزايد الضغط والطلب على الخدمات الأساسية من قبل السياح يدفع السكان المحليين إلى الشعور سلبا تجاه السياحة بشكل عام، كذلك يتضايق السياح المحليين الداخليون (السياحة الداخلية) من السياح الأجانب إذا ضاقت عناصر الجذب السياحي في مناطقهم بالسياح الأجانب، وأيضا إذا أغلقت الشواطئ في وجه السكان المحليين وخصصت للسياح الأجانب، هذا الضيق قد يتحول أحيانا إلى الكره والسلبية في أي شيء له علاقة بالسياحة.
7. تعديل الفنون التقليدية والصناعات اليدوية لتتناسب وأذواق السياح نتيجة الاستغلال التجاري الزائد يعكس عدم تفهم وإحساس بقيمة الثقافة المحلية.
8. قد ينشأ سوء فهم وتناقض بين السكان المحليين والسياح نتيجة اختلاف اللغة والعادات والقيم والمعتقدات وأنماط السلوك.
ثالثا: السياسات التي يمكن تطبيقها للحد من الآثار السلبية للسياحة:
1. من الضروري لأسباب اجتماعية واقتصادية وبيئية تنمية السياحة بشكل تدريجي لتوفير الوقت الكافي للسكان المحليين لتفهم النشاطات السياحية والمشاركة فيها وهذا الأسلوب أيضا يمّكن الحكومة من تخطيط وتنمية وتنظيم السياحة بشكل مناسب ودقيق.
2. يجب السماح للسكان المحليين بالمشاركة في صنع القرار المتعلق بالتخطيط السياحي ليكون لهم دور في تقرير مصير هذا القطاع في مجتمعهم، وليفهموا ويدركوا فوائد ومشكلات السياحة، فمن الضروري مشاركة السكان المحليين بدل فرض السياسات عليهم. وتأتي المشاركة من خلال تشكيل لجان استشارية للسياحة تضم خبراء وأكاديميون من السكان المحليين أنفسهم بالإضافة إلى عقد الاجتماعات العامة مع السكان وممثلي المجتمعات المحلية:أعضاء مجلس الجهوي، أعضاء مجالس البلدية، شيوخ، رشداء، أعيان المنطقة، على سبيل المثال.
3. أهمية المحافظة على شكل وحجم التنمية السياحية الملائمة للبيئة المحلية. ويقصد بذلك تحديد حجم وكثافة السياحة في كل منطقة، بمعنى أن لا يتجاوز عدد السياح الطاقة الاستيعابية المقبولة من قبل السكان المحليين.
4. دمج السياحة ضمن الاقتصاد العام، وتطوير قطاعات أخرى في المنطقة ليكون هناك توازن اقتصادي وهيكل للعمالة.
5. الحفاظ على التقليد المميز في الفلكلور والفنون والصناعات اليدوية التقليدية لو تم تطويرها، وذلك من خلال عمل برامج لمراقبة النوعية والتدريب. والحفاظ أيضا على المواقع الأثرية والتاريخية.
6. توفير الحوافز المالية وأساليب أخرى لتشجيع الملكية المحلية والإدارة وتشغيل الفنادق وغيرها من المرافق والخدمات السياحية، وذلك لدعم مشاركة السكان المحليين في السياحة.
7. السماح للسكان المحليين باستخدام عناصر الجذب السياحي بكامل المرافق والخدمات وتخفيف رسوم الدخول لهم.
8. تطبيق إجراءات المراقبة وتنظيم استخدام السياح لمنع الاكتظاظ على العناصر السياحية.
9. ينبغي توفير مرافق ومنشآت سياحية مناسبة للسكان المحليين والسياحة الداخلية، حيث لا يتمكن معظمهم من استخدام المرافق القائمة بسبب ارتفاع الكلفة.
10. توعية السكان سياحيا مع التركيز على مبادئ وفوائد ومشكلات السياحة وكذلك السياسات التنموية الحالية والخطط المستقبلية للمناطق المختلفة، وكذلك تعريف السكان المحليين بقيم السياح القادمين وعاداتهم وتقاليدهم، ويمكن استخدام وسائل الإعلام المختلفة لأغراض التوعية السياحية.
11. تصميم الفنادق وغيرها بحيث تعكس الأنماط المعمارية المحلية والتقليدية، وضرورة استخدام المنتج المحلي في بنائها لتعم الفائدة على القطاعات الصناعية واليدوية الأخرى وخاصة المؤسسات التجارية المحلية الصغيرة والمتوسطة.
12. تطبيق تقنيات معينة لاختيار أسواق السياح وبرامج التسويق والنشاطات السياحية المختلفة.
13. تدريب السكان المحليين للعمل في كافة مستويات السياحة لدعم الاقتصاد المحلي.
14. الاستفادة من البضائع والخدمات المنتجة في الدولة كمدخلات للقطاع السياحي، وهذا الأسلوب يقلل بدوره من تسرب الأموال المدفوعة لشراء بضائع وخدمات مستوردة.
15. تطوير إنتاج المواد المحلية من الأغذية مثل: الخضار والفواكه ومنتجات الألبان واللحوم الحمراء والدواجن والأسماك وغيرها التي تستخدم جميعها في المطاعم.
16. تشجيع ودعم المطاعم المحلية والقائمة على المنتجات المحلية على تقديم الوجبات للسياح، فليس من الضروري أن يأكل السائح الطعام الذي تعود عليه في بلده الأم.
17. استخدام مواد البناء المنتجة محليا في إنشاء المرافق والمنشآت السياحية وتصنيع الأثاث وغيرها من البضائع التي تحتاجها الفنادق والمنشآت الأخرى، ويراعى أن يسّخر التصميم لاستغلال ما هو متاح من المواد المحلية، والتصميم بالطبع تتبعه الأنماط المعمارية المحلية والديكورات وغيرها.
بقلم / عبد الرحمن الطالب بوبكر الولاتي