لا شك أنه علاوة على التحسن الكبير الذي شهده الأداء الحكومي في عمومه وتراجع وتيرة الفساد ومنع الصفقات المريبة ولجم الوساطة السافرة والزبونية الصارخة، لوحظ أيضا تحسن معلوم في معيارية التعينات المهنية وقد كانت مطلوبة بإلحاح شديد لما يسببه غيابها من حيف متمثل في الإقصاء الممنهج للقدرات من ناحية، وتعطيل مقيت للأداء من خلال إسناد المسؤوليات الهامة وتقليد المناصب والوظائف الحساسة لأشخاص لا يمتلكون الخبرات ولا التجارب ولا الكفاءة أو المعارف المناسبة والمطلوبة من ناحية أخرى.
حقائق ارتاح لها المواطن الذي أضناه الفساد المتفشى خلال الفترة الماضية وتراجع الإدارة عن خدمته بما اعتراها من الوهن وما خالطها من أسباب البعد عن المهنية والأداء الصحيح.
ولكن أمرا مؤسفا ما زال لافتا بشأن التعيينات حيث أنها لا تزال تخضع في غالب الحال للمزاجين القبلي والجهوي العصيين على التغييب في محاصصة ضمنية لا اسم لها، الأمر الذي يسبب داخل المؤسسات والقطاعات حيفا بغيضا للعمال المهنيين والأطر الأكفاء الذين لا ينتمون لدائرة “القبائل النافذة” بالحضور الطافح في مفاصل الدولة؛ قبائل أبقت على النظام التقليدي واعتمدت عليه لتظل تهيمن بقوته المدعومة بالمال والنفوذ والحضور الجهوي التعسفي من خلال اجتياح المجالس البلدية لبسط اليد على الشأن السياسي في العمق، وبالحضور المكثف داخل قبة البرلمان بالعدد وسلاطة لسان الأقوياء لضمان تحقيق المآرب المحاصصية.
في فرنسا وقعت مؤسسات كبيرة منها “رينولت Renault” لصناعة السيارات تحت طائلة المحاسبة القانونية لأنها تمارس التمييز العنصري في التدرج الوظيفي والأولوية في التشغيل بعيدا عن معيار الكفاءة، فكيف لا نحاسب على التمييز القبلي الشائع عندنا في التعيينات والتوظيف والصفقات ونضرب عمدا حوله سكوتا يشي بقبوله كأنه أمر طبيعي تدور دائرته بين القبائل النافذة وتقبله المستضعفة في صمت الاستكانة؟
الكاتب الكبير/ الولي سيدي هيبه