في مقال سابق، بعنوان: "هل يأخذ العالَم العِبرة من انتشار فيروس كورونا؟"، قلتُ إنّ هذا الوباء قد أثبت أنّ أمنَ العالَم كُلٌّ لا يتجزأُ.
معنى ذلك، أنّ على دول العالَم أن تُعيدَ النظر في السياسات الخاطئة السابقة التي أغرقت العالم في حروب مدمرة، وعملت على توسيع الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة.
ولعل الحروب الأهلية التي تغذيها وتؤججها جهاتٌ داخلية وخارجية، كانت من أخطر هذه الحروب العبثية التي لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنهايتها ولا بمآلاتها (ومن المؤسف أن عالمنا العربي كان ضحية أكثر من غيره لهذه الحروب) .
من تداعيات هذه الحروب-على سبيل المثال- هجرة ملايين البشر الفارّين من سِياط الحرب وغياب الأمن والاستقرار من جهة، ولسعات الجوع من جهة أخرى.
أمام هذا السيل البشري الجارف، أغلقت الدول الغنية حدودها، وأقامت الأسوار ووضعت الحواجز والأسلاك الشائكة بينها وبين الدول المصدرة لهذه الهجرة غير المرغوب فيها.
لم يكن أحد يتوقع أنّ فيروسا خفيا لا يُرَى بالعين المجردة، يستطيع اختراق الحدود والقفز على الحواجز ليصل إلى كل مكان من الكرة الأرضية، لا يمكن رصده بالرادارات، لا تعترضه الصواريخ، لا تصيبه الطلقات النارية، لا تنفجر فيه القنابل، لا تعترضه الطائرات الحربية، لا ينفع فيه هجوم الدبابات ولا المصفحات... لم يكن العالم يتوقع أن يكون هذا الفيروس أشدَّ خطرا من تلك الهجرات !
الآن، وقد "وقعت الفأس في الرأس"، يجب على العالم أن يستوعب الدرس فيبادر باتخاذ الإجراءات المناسبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
من الإجراءات العاجلة المقترحة على المستوى الوطني والدولي:
وقف الحروب العبثية فورًا، والعودة إلى الحوار من أجل الوصول إلى الحلول المناسبة (حل المشكلات في نهاية الأمر، لن يكون إلّا سياسيا).
إخلاء السجون من معتقلي الرأي والحريات العامة للتخفيف من الاكتظاظ المفضي إلى تفشي الفيروس ، وتوفير ظروف إنسانية لائقة لسجناء الحق العام بعد محاكمتهم محاكمة عادلة، وتهذيبهم حتى يتمكنوا من الاندماج في المجتمع بعد انتهاء محكوميتهم.
رفع الظلم عن المظلومين في كل مكان، وتوفير الرعاية المناسبة للفقراء والمحرومين والطبقات الاجتماعية الضعيفة ذات الاحتياجات الخاصة.
قيام الدول الغنية بالإجراءات اللازمة، من أجل تحسين أوضاع الدول الفقيرة وتلك التي دمرتها الحروب، تمهيدا لعودة المهاجرين إلى أوطانهم الأصلية التي أرغمتهم الحروب والمجاعات على الخروج منها في ظروف قاسية، ومدهم-في انتظار أن تتحقق عودتهم الميمونة إلى أوطانهم-بالمساعدات الضرورية (قبل أن يتسلل إلى أجسادهم المنهكة-لا قدّر الله-هذا الفيروس القاتل الذي أخفقت الدول القوية في التصدي لانتشاره)..
تكثيف التعاون- على مستوى البحث العلمي- بين الدول المتقدمة التي قطعت أشواطا في هذا المجال، والدول التي لم تصل بعدُ إلى المستوى المطلوب (حتى يكون العلم في خدمة البشرية جمعاء).
التوقف عن صرف الأموال الطائلة على التسلح (ما دام السلاح لا يحمي من أضعف مخلوق من نوع "فيروس كورونا" !)، وتوجيه هذه الأموال إلى البحث العلمي في مختلف المجالات الحيوية لسكان هذا الكوكب الذي نعيش على أديمه، والنهوض بالزراعة والصناعة، وتحسين المُناخ، وغير ذلك من المجلات الضرورية لمستقبل أفضل تنعم فيه البشرية بمزيد من الأمن والأمان والرخاء.
ولا يفوتني، في ختام هذه الخواطر، أن أذكّر المعنيين والمهتمين-عبرَ العالم- بضرورة التنسيق التام والتعاون المثمر بين القادة والشعوب-كل من موقعه- وبين الدول كافة (وقد أصبح العالم قرية واحدة) من أجل تجاوز محنة "فيروس كورونا" بأقل الخسائر البشرية والمادية.
أرجو من العلي القدير أن يرفع عنا البلاء، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
إسلمو ولد سيدي أحمد