السياحة كالصناعة خدمات اقتصادية حساسة جداً للمتغيرات المختلفة الدولية والمحلية، لكنها في هذه الحالة تواجه أزمة لا يوجد لها مثيل ولا أتذكر أني قرات او عشت مثلها أبداً، خصوصاً مع انتشار جائحة فيروس COVID-19 وتهديدها لدول العالم المتقدمة قبل دول العالم النامية.
فقد توقفت حركة البشر والفعاليات المحلية والعالمية واختفت معه كل أشكال الحشود ونتج عن ذلك توقف حركة الطيران والسفر حول العالم ولم يعد النقل الجوي قادراً على الوقوف على قدميه من جديد مع إلغاء ملايين الرحلات وعشرات الملايين من المقاعد وخسائر تجاوزت مئات المليارات من الدولارات فقد فقدت السياحة دم الحياة لأنشطتها.
كما ان صناعة السياحة كانت الخاسر الأكبر حيث خلت الوجهات السياحية والفنادق حول العالم من ضيوفها وزبائنها وتحولت المدن أشباحٍ مخيفةِ وتم الغاء أو تأجيل الفعاليات المرتبطة بالأعمال والرياضة والاجتماعات والمؤتمرات وأنشطة المعارض.
ولطالما تباهت دول العرض السياحي بالسياحة كالصناعة كثيفة توظيف الأيدي العاملة المباشرة والغير مباشرة في التعامل مع التدفق والطلب السياحي حيث تخلق فرص عمل مضاعفة وتدر دخل أساسي في اقتصاديات الدول وتوازن ميزان المدفوعات وتثري الناتج المحلي الإجمالي، وتساهم بفعالية في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات المحلية حول العالم.
إلا أن جائحة فيروس COVID-19 جعلت العالم يستيقظ على كابوس فقدان ملايين الوظائف حول العالم وبشكل أزمة كبيرة لم ولن تخطر على بال أحد الاستعداد لها حتى خبراء التخطيط والإدارة والدراسات المستقبلية باستخدام مبادئ مثل الوقاية خير من العلاج وتطبيق مبادئ المنع لحدوث الأزمات.
هل يمكن الحديث عن مستقبل صناعة السياحة والسفر !! أعتقد أن العالم قد تغير تماماً ولن يكون قادراً على العودة مرة أخرى لطبيعته الا بعد سنوات من بداية التعافي والنهوض حيث الاهتمام حاليا بأكثر من 4 مليار شخص حول العالم قيد الحجر المنزلي الإلزامي لمنع انتشار الجائحة الخطيرة وتقليل تفشي فيروس COVID-19.
مبين من الشكل التالي أن صناعة السفر والسياحة كانت أكبر الصناعات الخاسرة بسبب تفشي جائحة COVID-19 بالإضافة إلى التسوق والنقل والمطاعم والترفيه والانفاق على الصحة مع بقاء الناس في البيت في حين ارتفعت مبيعات البقالة أو محال التموينات الصغيرة والطعام بالتجزئة، للوضع الحالي بعد الجائحة كالنتيجة للتغير في سلوك المشترى والعملاء حول العالم للخدمات والسلع.
ولا شك أن استمرار الاستنزاف الحاد الناتج عن جائحة فيروس COVID-19 وتفشيه في دول العالم والارتفاع الحاد في أعداد الإصابات والوفيات وما يترتب على ذلك من مزيد من إجراءات فرضت على إثرها العديد من الدول عمليات الإغلاق الكلي للاقتصاديات والإنتاج وحظر التجول للسكان وإغلاق للحركة بين الحدود، فأصبح العالم في انعزال عشوائي مبعثر ومتفكك وغير مترابط يرسم صورة قاتمه لإمكانية الاستعادة للوضع الطبيعي لما كان عليه في أواخر العام 2019م.
ولعلنا اليوم في هذه القائمة نبحث عن احصائيات الإصابات والوفيات بجائحة فيروس COVID-19 في الوجهات السياحية العشرة الأولى على مستوى العالم من حيث أعداد السائحين:
1. فرنسا عدد الإصابات 125.000 والوفيات 22.732 شخص
2. اسبانيا عدد الإصابات 220.000 والوفيات 23190 شخص
3. الولايات المتحدة الامريكية عدد الإصابات 976.000 والوفيات 55.024 شخص
4. الصين عدد الإصابات 84.325 والوفيات 4.642
5. إيطاليا عدد الإصابات 198.000 والوفيات 26.644 شخص
6. تركيا عدد الإصابات 110.000 والوفيات 2.805 شخص
7. المكسيك عدد الإصابات 13.842 والوفيات 1.305 شخص
8. تايلاند عدد الإصابات 2.922 والوفيات 51 شخص
9. ألمانيا عدد الإصابات 130000 والوفيات 3200 شخص
10. بريطانيا عدد الإصابات 125.000 والوفيات 20.732 شخص
ومع حالة عدم اليقين التي يعيشها العالم الآن يشير السيناريو المتفائل الى فقدان حوالي 120 مليون وظيفة مباشرة حول العالم في صناعة السياحة والسفر على الرغم من أن بيانات مجلس السياحة والسفر العالمي تشير الى فقدان 50 مليون وظيفة.
فيما يخص المقاصد السياحية الموريتاني ووفقاً لتقرير الإصلاح الهيكلي لتطوير قطاع السياحة فقد حققت نمواً في الأداء في بيانات مؤشر تنافسية السياحة والسفر، وفي استراتيجية الترويج والتسويق مع العام 2018-2019م و أرتفع معدل تحسن مؤشر السلامة والأمان في العالم.
وتوفر صناعة السياحة حوالي 1400 وظيفة مباشرة وأكثر من 500 وظيفة غير مباشرة في موريتانيا، وفي نفس السياق تشارك صناعة السياحة والسفر بنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لموريتانيا.
ولا شك أن الواقع الآن أصبح مؤلماً على صناعة السياحة والسفر والفندقة الموريتانية نتيجة استمرار الاستنزاف الحاد الناتج عن جائحة فيروس COVID-19 وتفشيه في دول العالم حيث انعدمت حركة السياحة والطيران ولم يعد السفر والسياحة والترفيه ضمن أولويات الملايين من الناس حول العالم، مما ألقى بظلالٍ قاتمه على مستقبل الملايين من الوظائف وكذلك العائدات على الاستثمار ومصادر الدخل القومي في المستقبل القريب، وأحدثت حالة عدم اليقين أزمة كبيرة بين العاملين والإدارات في كل المؤسسات السياحية الموريتانية.
ونظراً لضخامة التأثير الناتج عن الجائحة وعدم الاستعداد له كأزمة كبيرة لم يحدث لها مثيل في التاريخ المعاصر، فيجب الإشارة إلى مجموعة من العناصر لتخطيط المستقبل لصناعة السياحة والسفر والضيافة والترفيه في مصر لنضمن أدارة الأزمة وتخفيف الأثر، وتقديم الحوافز المطلوبة لتسريع الانتعاش والتعافي، والاستعداد للمستقبل وعودة الملايين من السياح للمقصد السياحي المصري فيما بعد جائحة فيروس COVID-19.
أولاً: الاهتمام الحكومي والرعاية الحكومية لدعم الوظائف في قطاع السياحة والسفر والفندقة والإرشاد السياحي في موريتانيا من خلال تقديم دعم مالي لهذه الوظائف بما يحقق اكتفائهم ذاتياً خلال فترة الجائحة وحتى استقرار الأوضاع طالت أو قصرت مع برامج تدعيم المجتمعات المحلية المرتبطة بالسياحة.
ثانياً: الاهتمام الحكومي والرعاية الحكومية لشركات ومؤسسات السياحة والفندقة الموريتانية من خلال إدارة النفقات وتأجيل الرسوم الحكومية وتغطية الحد الأدنى المتوقع من العائد على الاستثمار ضماناً لبقائهم في الصناعة وعدم اعلانهم الإفلاس والانهيار.
ثالثاُ: إنشاء صندوق وطني لإدارة أزمات قطاع السياحة والسفر والنقل والفندقة (فنياً وإدارياً ومالياً) يدار بواسطة لجنة مشتركة من الدولة والقطاع خاص بحيث يتاح تغذية لصندوق أوقات الرخاء وتقديم الدعم للقطاع أوقات الأزمات.
رابعاً: استمرار الحد الأدنى من التسويق والترويج للوجهة السياحية الموريتانية لجذب الحركة السياحية الكامنة لما بعد الانتهاء من فترة الجائحة الحالية.
خامساً: تفعيل برامج إثراء البنية الأساسية والمحتوى السياحي الإلكتروني والإدارة الإلكترونية للسياحة والتسويق السياحي الإلكتروني وأعمالهم المرتبطة.
سادساً: البحث والتطوير في نظم الإدارة السياحية وتطويرها فيما يخص علاقة الإدارات والموظفين والعملاء داخل المؤسسات والشركات السياحية لتحقيق أفضل الممارسات الإدارية للموارد البشرية.
سابعاً: الاهتمام بتطبيق المعايير البيئية والاستدامة لموارد الوجهات السياحية في موريتانيا وصونها وإدارتها بأسلوب وفكر بيئي لتحقيق المنافسة العالمية وإعادة صياغة العرض السياحي للوجهات السياحية.
ثامناً: إدارة الأزمة المالية الحالية لقطاع الطيران والنقل السياحي لضمان قوة القطاع الخاصة بالتشغيل والموارد البشرية لما بعد الازمة وضمان عدم فقدان الوظائف داخل هذا القطاع المهم.
تاسعاً: التفكير في السوق الخاص بالسياحة الداخلية والأسواق البديلة للأسواق الدولية واتخاذ قرار فيما يخص الاختيار بين البدائل وتحديد الأولويات بما يخفف تأثير الأزمات الشديدة التي يتعرض لها قطاع السياحة باستمرار.
عاشراً: ضمان التواصل والاتصال المستمر مع منظمي البرامج السياحية الدوليين والمشغلين الدوليين والبقاء على اتصال مع الأسواق السياحية الدولية لبحث الأزمات والفرص وعوامل القوة وإمكانية استثمارها بمجرد الانتهاء من تأثير هذه الجائحة الكبيرة.
ولعلي في هذه الظروف الصعبة عند التفكير في الحلول لمواجهه هذه الجائحة نتطرق لفرص السياحة في الأراضي الرطبة، البيئة والمياه والمناخ في العالم وموريتانيا، و رأى أنه (لا يوجد من لا يهمه الأمر) وأن العالم كله يجب أن يهتم ويشارك بحلول القضايا المصيرية المشتركة للنمو والتنمية، ولم يعد هناك مجال لترك الدول الفقيرة تصارع البقاء وتواجه مصيرها المحتوم في التلوث والتخلف والأمية والأمراض واستنزاف الثروات، أن من واجب الدول المتقدمة المساعدة في زيادة ونشر التعليم والصحة والتقدم والازدهار والحرية حتى ينعم العالم بالسلام والرخاء المشترك والتنمية العادلة المشتركة.
ومع التأكيد على أن العالم بعد هذه الجائحة لن يعود أبداً كما كان قبلها، فلعل المستقبل بعد 2020 يحمل أخباراً إيجابية لعالم يحبس أنفاسه وتنجح المحاولات الدولية في إيجاد لقاح لعلاج تفشي جائحة فيروس COVID-19 وبعد معرفة مصدرة الحقيقي والكشف عنه مما يخفف القيود الاجتماعية المفروضة على الناس وعودة الحركة العادية أولاُ ثم تعود تدريجياً الاقتصاديات السياحية للانتعاش مرة أخرى.
وإن كان قدر صناعة السياحة والسفر أنها صناعة حساسة جدا جداُ للأزمات تحتاج الى وضع بروتوكول وميثاق شرف أخلاقي لإدارة الأزمات السياحية لضمان الأخلاق، وحقوق كلاً من البيئة، السائح، العاملين، المستثمرين، المجتمع المحلي، الدول، الاقتصاد، نشر السلام والتسامح والأمان. وإن شاء الله ستعود حركة السفر والتنقل والرحلات التي تربط بين دول العالم مهما طالت الأزمة وسيعود الانتعاش مرة أخرى من جديد، وستنتعش صناعة السياحة والسفر والمؤتمرات والمعارض وأنشطتها المرتبطة، ويجب الاستعداد للأزمات المشابهة والتي دائما ما تتعرض لها صناعة السياحة والسفر وإداراتها سواءً على المستوى الدول أو العالم.
حفظ الله موريتانيا وجعلها آمنة مطمئنة.
عبدالرحمن الطالب بوبكر الولاتي