الفقراء والمساكين هم خط الدفاع الاول في المجتمع الذي تتحطم عليه الانظمة ، حيث يتم تقييم عمل الحكومات من حيث تحقيقاتها ونجاحاتها ، أو إخفاقها وفشلها.
وبصفة عامة يعتبر التكافل الاجتماعي والإعانات والمساعدات للفقراء والمحتاجين أبرز ركائز الاستقرار والأمن في المجتعات.
ولا تقتصر الركائز على الدولة بوصفها العقد الضامن للأمن والعيش الكريم ، بل تتجاوز الاثرياء إلى مساعدة الناس بعضهم البعض، حيث لا تقف عند حدّ، ولا تقتصر على وسيلة واحدة.
ولعلَّ أبرز الطرق التي يمكن للإنسان الغني مساعدة الفقير المحتاج بها ، هي الصدقة، إذْ يجود الغني صاحب المال على الفقير بمبلغ نقديّ أو أيّ شيء آخر حسب المتطلبات ، يُساعد هذا المحتاج على سدّ احتياجاته.
وقد لا تكون الصدقة من الغنيّ للفقير فقط، وإنّما قد تكون من الفقير إلى الفقير، وهو ما يسمّى فبالإيثار أيّ أن تفضّل الآخر على نفسك في الأعطيات.
وفي موريتانيا يكتسي الدعم الحكومي أهمية من حيث الخطط الاستعجالية ، والمساعدات الاجتماعية للتجمعات الفقيرة والأكثر هشاشة ، وغالبا ما يتخذ عناوين مختلفة كالتآزر والتكافل ، مع أنه باختصار "دولة تتصدق على شعبها من ماله العام" ، إلا أن ثقافة التسيير والتوزيع ، تعطي انطباعا أن الفقير في موريتانيا ، هو ذاك الذي لا يعرف مكان السوق ، ولا يمكنه أن يقتني حاجياته الأساسية ، بل كأنه لا يعرفها أصلا ، لذاك تتكلف الحكومة بشراء احتياجاته وكأنها تسكن معه بيتا ، وتجعلها في صُرَّة وتتكلف استنفارا عاما لإيصال تلك الصُّرر إلى مستحقيها.
إن
ويعطي المشهد انطباعا ، عن المحتاجين وكأنهم لا يعرفون متطلباتهم اليومية ، في وقت تملأ الفاقة حياتهم المثقلة بالهموم والاحلام المقتولة، والمفتوحة على شتى انواع الآلام والمآسي، وهم يقاسون لتدبير شؤونهم اليومية، ما يسد عنهم افاق العالم الرحب الذي يعيشون فيه ، في خضم مواجهة تحديات حياتهم البائسة، وهو ما يؤدي غالبا الى تطرفهم ، وايغالهم في التشاؤم.
وقد لا تكون الاعانات الحكومية نقدية في أغلب الاحيان ، عندما تكون الدولة تلعب دور فقراءها في العالم ، وتستقبل الاعانات من دول أخرى ، وتتحول تارة إلى أشعب دولي ، ما قد يمكنها من فائض في الحبوب على سبيل المثال ، فتضطر إلى حملة تقسيم ، قد لا تعتمد معايير واضحة لعدم ربط الدعم الحكومي بقاعدة البيانات الشخصية للافراد والعائلات ، واستغلال الحالة المدنية في جباية الفقراء فقط.
فقد تلتمس النوايا الحسنة العذر في تلك التوزيعات لمخزون غذائي قد لا تتيح له صلاحيته كثيرا من الخيارات.
ولكن عندما تكون وحدة الحساب بالعملة ، ولا تلبث أن تتحول إلى صُرَر من الأرز والسكر ونوعيات السمك الرديئ ، فتلك أبرز الغرائب في ثقافة المساعدات في موريتانيا.
وتتقاطع قراءة خلفية الممارسات ، حيث يصفها البعض بالوكالة عن المحتاجين في اقتناء مستلوماتهم الغذائية ، بينما ينظر البعض الآخر إلى الممارسات علي أنها تعد على الفقراء وخيار مفروض عليهم من طرف القائمين على شؤون العباد ، وقد لا يكون الارز والسكر وسمكة ابونه ، أولوية لدى بعض الاسر الفقير ، بل قد تكون لعبة طفل وكمامة سيدة أولوية لدى بعض الاسر.
ويذهب البعض الآخر اكثر تشاؤما ، حيث يرى أن الاموال المخصص للفقراء والمحتاجين والمتضررين ، لا تصلهم ، حتى يأخذ سلما تتم كومستها وسمسرتها من القمة إلى القاعدة ، حتى تتداولها العمارات نقدا ، قبل أن يلقى بها صُرة أمام عتبات أعرشة الفقراء في نواكشوط والداخل ، وإلا فأيهما أبسط ، تقسيم "الفظة" أي صرف مبالغ مالية نقدية للأسر المتضررة ؟ حيث لا تتطلب العملية سوى قاعدة بيانات للمستهدفين ، أو تقسيم "اصريرات" صُرَر؟ والذي تتطلب رصد وسائل هائلة ، واستنفارا عسكريا ومدنيا وقد لا يوفق في أغلب الاحيان في الوصول إلى الاهداف المرسومة.
وتتسع ممارسات التصرف في صناديق التضامن والدعم الحكومي المتواضع للفقراء ، اعتمادا على ثقافة مترسخة في الحكومات الموريتانية المتعاقبة ، وهي نهب مخصصات الاضعف ، حيث لا يقتصر على السلطات ، بل يدخل التاجر على الخط ، والسمسار والسياسي والقائمين عليها والمؤلفة وقلوبهم ، ما يجعل الدولة في حالة صراع مع فقراء شعبها ، في ظل الازمات المعيشية ، وقسوة الاثرياء ومنعهم حقوق الفقراء في اموالهم ، حيث لجأ بعض فاعلي الخير إلى تقليد الحكومة ، وتوزيع سلات غذائية قد يكون التاجر اكثر استفادة من بيعها ، من تأثيرها في حل مشكلة الفقير إن لم تكن نقدا ، ومهما يكن من أمر فإن الصُرَرٌ الغذائية ابرز الغرائب في ثقافة المساعدات في موريتانيا!
مولاي الحسن بن مولاي عبد القادر