تجربتنا مع كورونا أبانت عن عجز واضح في البنية الإدارية والتنظيمية لمختلف القطاعات الحكومية وفي مقدمتها وزارة الصحة.. لقد وصل تدني مستوى الإدارة إلى درجة مخيفة.. مرة روى لي أحد وزراء الإعلام السابقين المتميزين أنه عندما عين في ذلك المنصب وأراد أن يرسل رسالة استدعى إحدى السكرتيرات فإذا هي عاجزة عن القيام بتلك المهمة، فاستدعى أخرى فإذا هي ليست بأحسن حالا منها، فلم يزل يستدعي فيهن وكن عديدات بلاجدوى إلا واحدة، وأظن أنه انتقل بها معه لما غادر الوزارة إلى وظيفة أخرى.. وزارة مليئة بالبشر لكن من يمكنه منهم أن يؤدي مهمته على وجه سليم لا يزيد على رؤوس الأصابع.. وهذه الحالة عامة على جميع الوزارات والإدارات مع الأسف...
هل تعرفون السبب؟ إنه أربعون سنة من التسيب والوساطات والمحسوبية، كل مسؤول همه أن يعين من قبيلته ومعارفه ما يستطيع أن يعين بغض النظر عن جدارتهم واستحقاقهم.. وهم من أين جاؤوا؟
قبل عشرين سنة مضت كنت مرة مع صديق لي من أسرة معروفة من أسر انواكشوط العريقة وكان هو وأخوه الأكبر متميزين من حيث الدراسة والكفاءة بخلاف أخيهم الأصغر، فأخبرني أنهم وجدوا -بالوساطة طبعا- وظيفة في الدولة لأخيهم هذا الذي فشل في التقدم في الدراسة لضمان تأمين مستقبله، فسرح بي التفكير إذا كان هذا هو حال كل أسرة موريتانية.. إذا كانت كل أسرة موريتانية تكل أبناءها الناجحين لتأمين مستقبلهم أنفسهم، وتهتم بأن تجد وظيفة لأبنائها الفاشلين، فستمتلئ الوزارات والإدارات بأنواع الفاشلين معرفيًا نفسيًا وصحيًا وسنصبح في النهاية دولة بلا إدارة... وسبحان الله هذا ما وقع الآن.. أغلب المسؤولين ليس لهم مستوى ولا رؤية ولا كفاءة، وبعضهم ليسوا أسوياء ومع ذلك لا تعرف كيف وصلوا إلى هذه الوظيفة..
قبل أشهر تواصلت معي شركة خليجية أوروبية تريد أن تستثمر في شراء كميات سنوية كبيرة من الذهب الموريتاني.. زرت وزارة المعادن فلم أجد عند المسؤول الذي قدموا لي أي معلومات حتى ولو كانت إحصائية أو توجيهية عن هذا القطاع الذي يفترض أنه معني به، ونصحني بالتوجه إلى وزارة التجارة التي لم تكن أحسن حالا فقال لي أحد مسؤوليها إن الأمر لا يعنينا بل يعني البنك المركزي... وهناك نظرا للصورة الحسنة التي كانت لهذا البنك في مخيلتي كانت المفاجأة أكبر.. الدخول لم يتيسر إلا بالوساطة والمسؤول الذي صادفت لا يحب الحديث عن الموضوع، ولما سألته عن قانونية بيعه بطريقة غير نظامية في الشامي وانواكشوط. قال لي المفروض أن ذلك لا يقع لأنه غير قانوني، ولما سألته عن الآلية القانونية قال أيضا إنها غير موجودة في الوقت الحالي فقد كان البنك المركزي يصدر تراخيص بيع الذهب في فترته الأولى ثم أوقفها في انتظار تغيير القانون ثم جاءت الانتخابات وتغير النظام توقف الموضوع...
إذا لم توقف الدولة أسس المحسوبية التي تسير بها وتراجع بنيتها الإدارية والتنظيمية فلا أمل في أن تنجح لها أي خطة لأن من يتحكمون فيها ويرسمون خططها لم يصلوا إلى مناصبهم بالاستحقاق وبالتالي لا شيء لديهم ليقدموه للدولة ففاقد الشيء لا يعطيه...
الحسين بن محنض