شهدت ثورة شباط/ فبراير خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تغييرات كبيرة ومنعرجا غير متوقع، في ظل ما تمر به البلاد من أزمات متعددة، فسحت المجال أمام رموز نظام القذافي إلى النشاط مرة أخرى داخل البلاد بعد غياب لسنوات.
ولم تعد ليبيا الدولة الموحدة بعد ستة أعوام من الثورة، حيث يتيح تدهور أحوال البلاد فرصة للطامحين إلى إعادة دولة "الجماهيرية الليبية العظمى" كما كان يحلو لمعمر القذافي أن يسميها، لتحقيق أهدافهم.
تيارات النظام السابق
قال رئيس مركز اسطرلاب للدراسات الليبية عبد السلام الراجحي، إن أنصار نظام العقيد الراحل معمر القذافي ينقسمون لتيارات رئيسية تختلف في تعاطيها مع عملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية، والموقف من سيف الإسلام القذافي.
وأضاف الراجحي في تصريح لموقع "عربي21"، أن مجموعة من أنصار النظام السابق ترى في اللواء المتقاعد خليفة حفتر، العربة التي قد تعيدهم إلى سدة الحكم مجددا، أو على الأقل لديه القدرة على الانتقام من ثورة شباط/ فبراير، التي أزاحتهم.
وضرب رئيس مركز اسطرلاب مثلا، بشخصية ميلاد الفقهي، أحد أذرع النظام السابق العسكرية، والذي عينه حفتر آمرا للحسابات العسكرية التابعة له. وكذلك اللواء محمد بن نايل الذي كلفه حفتر كآمر عسكري لجنوب ليبيا.
وذكر الراجحي أن لهذا التيار الداعم لحفتر، جناح إعلامي يتولاه القياديان في النظام السابق، مصطفى الزائدي، وعبد السلام المشري، من خلال قناة "ليبيا 24"، وموقعا، المرصد الليبي وبوابة إفريقيا.
ويرفض تيار آخر من النظام السابق التعامل، سواء مع خليفة حفتر، الذي يصفونه بـ "الخائن" للقذافي، أو مؤسسات اتفاق الصخيرات السياسي، ويدعمون عودة سيف الإسلام القذافي إلى حكم البلاد، وحسب الراجحي، يقود هذا الجناح، الإعلاميون، هالة المصراتي، وحمزة التهامي، ويوسف شاكير، من خلال قنوات الخضراء، وليبيا اليوم.
ويقود التيار الثالث، الداعم لعودة منظومة النظام السابق، القيادي أحمد قذاف الدم، المقيم في مصر وابن عم العقيد الراحل معمر القذافي، من خلال حزب الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، والذي له بعض المليشيات المسلحة في مناطق ورشفانة جنوب غرب العاصمة طرابلس.
المال والاقتصاد
من جانب آخر، قال مقرب من النظام السابق لـ"عربي21" -فضل عدم الكشف عن هويته- إن مجموعة من رجال أعمال ما قبل ثورة شباط/ فبراير، متحالفين مع بعض الرموز السابقة، يسعون للدخول إلى ليبيا من بوابة الاقتصاد والشراكات في مجالات النفط والعقارات.
وأفاد المصدر، أن هذا الجناح الذي يقوده بشير صالح، مدير مكتب العقيد الراحل معمر القذافي، ينأى بنفسه عن المشاركة في أي عمل سياسي لم يكن له يد في صنعه، خاصة في ظل التأزم والانقسام الذي تشهده البلاد في هذه الفترة.
ويفضل بشير صالح، صناعة معادلة جديدة تقوم على العمل الاقتصادي الربحي، الذي قد يمكنه وأنصاره في فترة قادمة، من تقلد مراكز سياسية متقدمة إذا ما استقرت البلد. كما أن مدير مكتب القذافي السابق، يرى أن التحالف مع أحد التيارات المتصارعة سيضر بقدرته على المناورة.
وصرح صالح في وقت سابق لقناة "فرانس 24"، بأنه يعمل مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، من أجل إعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا.
ويقول أحد مؤيدي نظام القذافي المقيم خارج البلاد، إن عدد أنصار النظام السابق في ليبيا يبلغ نحو 20 ألف شخص تقريبا، ويوجد العدد نفسه في الخارج، ولكنه أكد أن نفوذهم لا يزال محدودا.
استغلال الأوضاع
واستغل أنصار القذافي الصراع السياسي وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية وانقسام مؤسسات الدولة في ليبيا، للرجوع إلى الساحة السياسية وتقلد مناصب عليا في سلطات التشريعية والتنفيذية للدولة.
ولعب تدني الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين أصبحوا يجدون صعوبة في الحصول على احتياجاتهم الأساسية، دورا بارزا لعودة أنصار القذافي إلى البلاد، وهيأ لهم هذا الوضع الأرض الخصبة لوضع موطئ قدم لهم في سلطات الدولة، بحسب ما رأى مهتمون بالشأن الليبي.
ولكن بعض المهتمين يرون أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية السيئة التي يمر بها المواطن داخل البلاد، أمر مفتعل من قبل أنصار القذافي للعودة إلى ممارسة حياتهم السياسية في ليبيا مجددا بعد سنوات من هزيمتهم.
الانتخابات الفرصة السانحة
ويرى محللون محليون، أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي يدعو إليها العديد من أطراف الصراع في ليبيا، ستكون فرصة سانحة وثمينة لرجوع رموز النظام السابق إلى ترأس الدولة وتقلد مناصب مهمة في البلاد.
وفي هذا الصدد، قال منسق العلاقات الليبية - المصرية في عهد القذافي أحمد قذاف الدم: "إنه في حال قيام انتخابات حرة ونزيهة في ليبيا فإننا سنتمكن من المشاركة فيها وعلى أسس قانونية".
وأكد قذاف الدم، أن مناصري الجماهيرية (نظام القذافي) يستطيعون العودة لممارسة السياسة في ليبيا، موضحا أن الأولوية في الوقت الراهن هي إيقاف الحرب الأهلية في البلاد، بحسب تصريحاته السابقة لوكالة "نوفوستي" الروسية.
في حين، علق بشير صالح، مدير مكتب معمر القذافي خلال حديثه لقناة فرانس 24، عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية في ليبيا، قائلا: "لا أقول ذلك، ولكن عندما يحين وقت الانتخابات لكل حادث حديث"، في إشارة منه إلى إمكانية ترشيح نفسه للانتخابات.
الداعمون داخليا وخارجيا
هناك بعض القبائل والمدن التي تعد الداعم الأكبر لعودة نظام القذافي داخل البلاد، وتأمل العديد من هذه المدن التي لها ثقل في ليبيا قبليا واجتماعيا وأكثرها تعددا للسكان إلى عودة نظام القذافي بأي طريقة كانت.
وتعتبر قبيلة ورشفانة التي تقطن في مدينة ورشفانة غرب طرابلس، ومدينة بني وليد جنوب شرق العاصمة موطن قبيلة الورفلة، من أكبر القبائل المؤيدة لمعمر القذافي والداعمة لأنصاره ورموزه لرجوعهم إلى الساحة الليبية مجددا، ولا يخفى على أحد ثقل هاتين القبيلتين في ليبيا.
إضافة إلى أن هناك العديد من المدن والقبائل في المنطقة الجنوبية لازالت أيضا تدين الولاء للنظام السابق، من بينها قبيلة المقارحة التي ينتمي إليها عبدالله السنوسي الذراع اليمنى للقذافي وصندوقه الأسود، والموجود في إحدى سجون طرابلس.
ويحن كثير من الليبيين إلى عودة النظام السابق ليس حبا أو تأييدا منهم للقذافي، ولكن من أجل التخلص من هذه المعاناة. كنتيجة للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتردي الأوضاع الأمنية في البلاد التي ألقت بكاهلها على المواطنين الذي أصبحوا يجدون صعوبة في الحصول على احتياجاتهم الأساسية وتوفيرها.
وتعد دولتا مصر والإمارات وبعض الدول الأفريقية، من أكبر الأطراف الخارجية الداعمة لعودة أنصار القذافي للحكم مرة أخرى، وتأوي مصر العديد من رموز نظام القذافي وعلى رأسهم أحمد قذاف الدم ابن عم الرئيس الليبي الذي أطاحت بحكمه ثورة فبراير.