الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بيّن الله –جل وعلا- أن جميع الأمم كان يجب عليهم اتباع رسلهم، والاقتداء بهم، فأمر الله -تعالى- نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن يقتدي بهم، قال الله -جل في علاه-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ…)، يعني نوحًا ولوطًا وشعيبًا وهودًا وصالحًا وغيرهم -عليهم السلام-، ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الانعام:90]، اقتدِ بهم في دعوتهم، اقتد بهم في صبرهم، اقتد بهم في عبوديتهم، اقتد بهم في ثباتهم على نهجهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).
أن نصرة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- هي التأسي بالسنن والأخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم-، وحذر الله -تعالى- من مخالفة سنته، فقال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21]، فمَن لم يقتد برسول الله -عليه الصلاة والسلام- ولم يتخذه أسوة حسنة؛ فمشكوكٌ في أنه يرجو الله واليوم الآخر.
فقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم أحسن النَّاس خُلقاً، وأكرمهم وأتقاهم.
لقد امتدح الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على سمو أخلاقه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وذلك الخلق العظيم ظهر من خلال معاشرته للناس، ولقد سئلت عائشة - رضي الله عنها - كيف كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: (كان خلقه القرآن)، أي: كان عاملاً بأخلاق القرآن وآدابه؛ ممتثلاً حكمة الله في إنزال القرآن ليتدبرَ ويعملَ به، فكان أولى الناسِ وأوّلَهم عملاً به وامتثالاً لأوامره سيدُ الخلق محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
ومن وصف أمِّنا عائشة رضي الله عنها، لخلق نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، نعرف أن أخلاقه عليه الصَّلاة والسَّلام هي اتباع القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي، وهي التَّخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها، والبعد عن كل خلق ذمه القرآن ونهى عنه.
يقول نبينا الكريم صلوات الله عليه: "البِر حسن الخلق" رواه مسلم.
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الأخلاق وبيّن منزلتها من الدين في أحاديث كثيرة، ومن هذه الأحاديث: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:( إن خيارَكم أحاسنُكم أخلاقاً) رواه البخاري. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) رواه أبو داود. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حسن، وإن الله ليَبْغَض الفاحشَ البذيء) رواه الترمذي.
ما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة ، وقال : ( إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا ) ، وكان إذا سئل أن يدعو على أحد ، مسلم أو كافر ، عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له ، وما ضرب بيده أحدا قط ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم ، وقد وصفه الله تعالى في التوراة قبل أن يبعثه ، فقال : محمد رسول الله ، عبدي المختار ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وكان من خلقة أن يبدأ من لقيه بالسلام ، ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر ، ولم يكن يُعرَف مجلسه من مجلس أصحابه
ومعنى هذا أنه صلَّى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيَّةً له وخُلقاً، فما أمره القرآن فعله، وما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم، من الحياء، والكرم، والشَّجاعة، والصفح، والحلم، وكل خُلقٍ جميل.
وعلى الرغم من حُسن خلقه، كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه، ويتعوَّذ من سوء الأخلاق عليه الصلاة والسلام، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم كما أحسنت خَلْقي فأحسن خُلُقي" رواه أحمد ورواته ثقات، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق" رواه أبو داود والنسائي.
لقد كان رسولنا الكريم خير الناس، وخيرهم لأهله، وخيرهم لأمته، من طيب كلامه، وحُسن معاشرة زوجته بالإكرام والاحترام، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي.
وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه؛ أنَّه كان يُحسن إليهم، ويرأف بهم، ويتلطّف إليهم، ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله، ويلاطفهم، ويداعبهم، وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم؛ أن يرقِّقَ اسمَ عائشةَ رضي الله عنها كأنْ يقول لها: "يا عائش"، ويقول لها: "يا حميراء" ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: "يا ابنة الصديق" وما ذلك إلا تودداً، وتقرباً، وتلطفاً إليها، واحتراماً وتقديراً لأهلها.
كان يعين أهله، ويساعدهم في أمورهم، ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة رضي الله عنها تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: "دعي لي"، وتقول له: دع لي. رواه مسلم
وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة رضي الله عنها بناتِ الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرَّقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حِجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حِجْرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ، ويخرج إلى الصلاة. رواه مسلم، والترمذي.
وقالت: (كان بشراً من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه)
وقالت: كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم، رواه أحمد.
قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل" رواه مسلم.
ومن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم حفظ اللسان وكف الأذى وترك الشتم والسب، عن أنس رضي الله عنه قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا لعاناً ولا سباباً..) رواه البخاري.
كان النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة جالساً فجاء نفر من اليَهُود فقالوا: السام عليكم - أي: الموت عليكم- فسمِعتْ عائشةُ مقالتهم فقالت: وعليكم السام واللعنة! فقال رسول الله: (يا عائشة! إن الله لا يحب الفُحش ولا التفحش؛ ولكن قولي: (وعليكم)).
ومن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الحياء مما يَقبح فعلِه أو يُكره، وهو القائل: (الحياء لا يأتي إلا بخير) رواه البخاري. وقال أيضا: (إن الحياء من الإيمان) رواه البخاري. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خِدرها، وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه) صحيح البخاري.
ومن حُسْنِ خُلُق الرسول صلى الله عليه وسلم المزاحُ المتّزن والانبساط مع الناس.. فعن أنس رضي الله عنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطُنا، حتى يقول لأخٍ لي صغير: (يا أبا عمير ما فعل النغير). طائر صغير كان يتسلى معه.
وقد مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق فرأى رجلاً من أهل البادية فاحتضنه من خلفه وقال: (من يشتري هذا العبد) - على وجه المزاح - فقال يا رسول الله: إذن والله تجدني كاسداً! -أي رخيصاً- قال: (لكنك عند الله لست بكاسد) أو قال: أنت عند الله غالٍ.
ومن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم إكرام الضيف والجار والإحسان إليهما، ومواقفه كثيرة في ذلك، وكيف لا يكون كذلك وهو القائل: (من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
ومن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم احترامُ الكبيرِ والرحمةُ بالصغير؛ ويدعو إلى الرحمة بالناس فيقول: (الراحمون يرحمُهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمْكم من في السماء)
قد جمع الله له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، نشأ في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم ، يتيما لا أب له ولا أم ، فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق ، والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين ، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا ، ولزوم الواجب وترك الفضول ، وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله آمين يا رب العالمين " انتهى بشيء من الاختصار .
فأخلاق القرآن هي التي تجلت في محمد خاتم النبيين، وأصحابه، ومن سار على نهجهم من بعد.
وإذا أردنا أن نقدِّر أخلاق القرآن؛ فإنما نتبيَّنُها في سيرة من عملوا بالقرآن، فيظهر صلاح القانون حين إنفاذه، ويتبين سداد الرأي حين يختبره العقل، ويعرف رشاد الطريقة حينما تهدي السائرين عليها إلى الغاية المثلى.
أخلاق القرآن تتجلى في صور مختلفة، فإذا رأيت أحداً من هؤلاء قد خاض غمار هذه الدنيا بملك، أو ولاية، أو قيادة، أو حكم، أو توجيه ونحو ذلك، وقد ملك الدنيا ولم تملكه، وسيطر على الأمر ولم يسيطر عليه، فساس العباد بعدل الله، وأتعب نفسه ليريح من ولي أمره، وراقب ربه ليله ونهاره؛ فهذا من أخلاق القرآن.
رزقنا الله التأسي بنبينا، وهدانا لأحسن الأخلاق....
عبد الرحمن الطالب بوبكر الولاتي