احتفلنا مؤخراً بالذكرى الستين (60) لحصول موريتانيا على استقلاله السياسي ، فمتى نحتفل بالاستقلال الاقتصادي بمعنى الاعتماد على الذات.
الاستقلال السياسي هو جلاء القوات الفرنسية ، معاهدة انتقالية تعترف باستقلال مشروط ، حكومة ذات سيادة ، إلغاء المعاهدة الفرنسية ، عضوية الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة.
كما يعلم الجميع أن الاقتصاد هو محرك الشعوب أو الدول، وأن من أكثر الأشياء التي تجعل الدول مستقلة في قراراتها السياسية الداخلية والخارجية هو اقتصادها الوطني.
على الرغم من حصول الاستقلال السياسي بالنسبة للبلدان النامية إلا إنها لا تزال تعاني من التبعية الاقتصادية بمختلف مظاهرها وبعيدة عن الاستقلال الاقتصادي، حيث لا تزال تلجأ إلى الدول المتقدمة في تلبية احتياجاتها الاقتصادية، وحتى وإن حققت بعض النجاحات على المستوى التنموي إلا إن هذه النجاحات تكون محدودة جداً مقارنة بالموارد التي تمتلكها هذه الدول، خصوصاً الدول صاحبت الموارد الطبيعية كونها اعتمد على هذه الموارد بشكل كبير جداً.
تضع الدول مجموعة من التعديلات والإصلاحات الاقتصادية سنويا، كما تضع خططًا اقتصادية طويلة الأمد؛ غير أن هذه الإصلاحات في أغلب الدول ليست إلا إصلاحات شكلية أو ورقية غير قابلة للتنفيذ، وإن كانت قابلة للتنفيذ فلا يعمل بها، ولا تكون إلا حبرًا على ورق؛ وذلك بسبب سيطرة المنظمات السرية على اقتصاد العالم، وتحريك بعض الدول للسيطرة على بعض الأدوار السياسية، واحتكار الأمن والسلاح والغذاء.
وقد تعمد هذه الدول المحركة من قبل المنظمات السرية إلى التحكم في أسعار عملات الدول ومواردها، كما تعمل الدول العظمى على التحكم في أسعار النفط، واحتكار إصدار الأوراق النقدية، وإنتاج الغذاء.
وتسعى أغلب الدول إلى بناء اقتصاد مستقل؛ لكن الدول المسيطرة لا تسمح لها بذلك لرغبتها في الهيمنة على دول العالم والشعوب من خلف المنظمات الأممية والسرية التي تتحكم بإرادة الدول، وتديرها من خلف الستار.
إن الاستقلال الاقتصادي لأي دولة ليس بالأمر الصعب، ولكنه يحتاج إلى خطط محكمة واعتماد على بعض النقاط الأساسية مثل:
1/ تقوية التعليم المحلي والاستفادة من التجارب المتقدمة في بعض المجالات.
2/ إصدار العملة المستقلة المربوطة بالذهب أو المادة الخام المنتجة من الدولة نفسها مثل (النفط في دول الخليج العربي).
3/ الصناعة التي تضمن للدولة قدرتها على الاكتفاء الذاتي بنسبة مابين %80 %70 في المجالات (الصناعية والصحية وإنتاج الطاقة) ......الخ
4/ الإنتاج المحلي من الأغذية بالكميات الكافية خصوصًا من القمح ومنتجات الخضار والفواكه..... إلخ
5/ تأهيل الكوادر البشرية الوطنية للقيادة في كافة المجالات.
6/ الشفافية في الموازنة العامة للدولة قبل بداية السنة الجديدة.
7/ الرقابة والمحاسبة الشديدة لكل من يتلاعب بمقدرات الدولة.
كذلك فإن الاستقلال الاقتصادي يوفر القوة للدولة، ويجعلها ملاذًا آمنًا لشعبها، وذلك لأنها لا تنظر إلى أي قرار خارجي؛ بل إن قرارها يكون بإرادة ذاتية. وهنا يمكن الإشارة إلى أن الدول يجب عليها أن لا ترضى بالخضوع لأي قروض دولية، ويجب عليها الاعتماد في إصدار عملتها الوطنية على نفسها، وضبطها بالمادة الخام، وتتجنب التعامل مع البنوك العالمية المسيطر عليها من قبل المنظمات السرية التي تجبر الدول على الدفع غير المبرر من خلال رفع أسعار المواد الخام، وتحميل الشعب دفع الضرائب. إن إجبار الشعوب على دفع الضرائب بهدف تسديد الديون التي لا تنتهي قد يؤدي إلى الضغط على الشعب ماديًا، ومن ثمَّ فقد يوصل ذلك إلى الانفجار الشعبي، الأمر الذي بدوره قد يفجر الوضع داخليا ويؤزم الدولة أكثر فأكثر.
كما ينبغي أن يحسب للتعليم والإنتاج الزراعي الحساب الصحيح والدقيق. إن ما يجعل الدول في غير حاجة إلى البنوك الدولية هو القوة التعليمية والأمن الغذائي، فالاكتفاء الذاتي لا يدفع الدولة أبدًا إلى الاقتراض بهدف سد حاجات مواطنيها من الغذاء.
وبناء على ما سبق، فإن العمل على تحقيق التنويع الاقتصادي يكون كفيل بتحقيق الاستقلال الاقتصادي وإنهاء حالة التبعية للبلدان المتقدمة، والتخلص من مساوئها المتمثلة في استنزاف الثروة الوطنية وزيادة المديونية وغياب العدالة الاجتماعية، واكتساب مزايا الاستقلال الاقتصادي كعدم استنزاف الثروة الوطنية وتقليص المديونية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن أجل تحقيق التنويع الاقتصادي لتحقيق الاستقلال الاقتصادي لابد من العمل على
أولا: الاهتمام بالإدارة السياسية على ضوء المصالح الوطنية وجعل المسائل التنموية على رأس الأولويات التي تقوم بها، بحيث يكون الاقتصاد أولا في حساباتها، وتوظيف كل ماهو متاح داخلياً وخارجياً لتقويته.
ثانيا: بناء البيئة الاستثمارية التي تشجع المستثمرين على الاستثمار في مختلف الأنشطة الاقتصادية، حيث لا يمكن القيام بأي نوع من الاستثمارات في ظل غياب البيئة الاستثمارية، لان توفير البيئة المناسبة تعني غياب معوقات الاستثمار.
ثالثاً: تقليص دور الدولة في الاقتصاد لفسح المجال أمام القطاع الخاص في قيادة الاقتصاد نحو زيادة الإنتاجية وتوفير فرص العمل، في اغلب القطاعات.
رابعاً: تمارس الدولة دور الإشراف على مسيرة الاقتصاد نحو التنويع الاقتصادي وذلك من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي، تارة، والتدخل تارة أخرى لمنع قيام الاحتكار وضمان المنافسة الكفوءة والعادلة.
الاستقلال السياسي يأتي بالسيادة الوطنية والقرار المستقل وهي شروط لازمة للاستقلال الاقتصادي ، والاستقلال الاقتصادي أكثر صعوبة ، وإذا كانت معركة الاستقلال السياسي هي الجهاد الأصغر ، فإن معركة الاستقلال الاقتصادي هي الجهاد الأكبر والأطول.
ونؤكد هنا أن أيًا من التعاملات الدولية الاقتصادية ليست إلا مجرد وسيلة للسيطرة على الدول، ولا يوجد نظام عالمي يضمن حق أي شعب؛ سواء أكانت السلل الاقتصادية أو قيمة النقد المدفوعة للبنوك الدولية أو الارتباط العالمي. ونطمح إلى تحقيق هذا الأمن لدولتنا حتى نتحرر من الاستعمار الاقتصادي.
ليس ممكناً تحقيق الاستقلال الاقتصادي فوراً بقرار ، المهم أن يكون الاتجاه صحيحاً بحيث نقترب من الاستقلال الاقتصادي عاماً بعد آخر.