النهضة الاقتصادية مطلب لكل شعب حتى يحدث الرخاء والتطور لأي شعب وأهم يعد لها هو الاستدامة أي الاستمرارية مهما تغيرت الظروف والاوضاع العالمية ،لا بد من وجود محفز يسهل التفاعل مع التغيرات ويستفيد منها. وتعتمد النهضة الاقتصادية الدائمة على القدرة الإنتاجية والقيمة المُضافة للشعوب حتى تستمر العجلة في الدوران. وفي موريتانيا جربنا أبعاداً عدة لكنها لم تمنحنا الاستدامة والقدرة على التفاعل مع التغيرات العالمية، حيث اعتمدنا على المواد الأولية (الحديد) لعقود كالمصدر للقيمة وللثروة ولكن تجاربنا معه لم تكن ناجحة حيث دخلنا في مطبات بسبب المتغيرات العالمية والاقتصادية وحدث الاهتزاز في أكثر من حقبة زمنية عشناها. ثم وفي حقبة الثمانينيات جربنا رأس المال كمصدر للنهضة الاقتصادية المستمرة سواء من استثمار العوائد أو من الاستحواذ على الأصول الرأسمالية وايضاً أثبت ذلك مع مرور الوقت أن النهضة الاقتصادية المستدامة لم تتحقق ومع المتغيرات كنا نتعرض للمطبات خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
أن النهوض لا يحتاج إلى ضجيج، ولا برامج دعائية معقدة، وخطط نظرية هائلة، انها تحتاج إلى القرار والإرادة والرؤية والتركيز على موضوع معين كمنصة أساسية للانطلاق ،كأن نقول : مواجهة البطالة أو تطوير الصناعة أو تصنيع وتحديث الزراعة ...الخ ، هذه المنصة ،حين تعمل عليها مؤسسات الدولة، من شأنها أن تشغل محركات ومحاور أخرى اجتماعية واقتصادية وعلمية وتعليمية عديدة تنتهي بالعمل على الجبهات المختلفة.
والآن تستثمر الدولة في رأس المال البشري من زاوية التعليم والتدريب وأنفقنا بسخاء عليه سواء داخل أو خارج البلاد ولكن لم يتم توجيهها لتكون لنا ميزة نسبية وقيمة مضافة تساعدنا على تكوين النهضة الاقتصادية المستدامة. ولو نظرنا الى مصادر القصور في المنظومة والتي نجحت فيها شعوب عدة وخلال فترة زمنية قصيرة لوجدناها تنحصر في عدد من الأبعاد التي يمكن تداركها وتحتاج الى توجيه مباشر خاصة وأن الاستثمارات الحالية وفي البنية التحتية متوفرة وضخمة، وهذه الأبعاد تتعلق بعنصر الكفاءة الإنتاجية وترقيتها لتدعم لنا النهضة الاقتصادية. فالكفاءة الإنتاجية نتاج أبعاد كثيرة وتعتمد على رأس المال البشري في توجيهها وحصولها.
وبالنسبة للعوامل المؤثرة يمكن إرجاع جزء منها الى التعليم في احداث التغير السلوكي الفردي في المجتمع وفي تحفيز الإبداع والابتكار من قبل رأس المال البشري. فالجامعات والمؤسسات البحثية لم تركز على استثمار القدرات المتوفرة لدعم الانتاج وتطوير المنتجات التي يستفيد منها العالم. فالبحوث والدراسات لا تستغل كمصدر لتكوين وتطوير الصناعات في بلادنا وكأنها أصبحت تقوم بوظيفة التعليم ونسيت الإبداع والابتكار. كما نجد أن المؤسسات التعليمية لم تنمِّ روح المبادرة في خريجيها وأصبح الهدف الأوحد هو التوظيف وليس خلق الفرص والاستفادة منها وبالطبع يشترك المجتمع في وجود هذا البعد. وأصبحت الكفاءة الإنتاجية آخر بعد يفكر فيه الاقتصاد والمجتمع بسبب الاتكالية والاستناد على الغير في دوران عجلة الاقتصاد في بلادنا. لابد لنا من مراجعة الاستراتيجيات التعليمية والاقتصادية لتدعم تطوير ودفع الكفاءة الإنتاجية حتى نحقق التنمية الاقتصادية المستدامة.
التعليم الجيد هو الذي يحقق لنا ذلك، والاهتمام بتطوير المنظومة التعليمية يأتي كالحلقة مهمة في التخطيط الاقتصادي، فالتعليم الجيد يخدم التنمية، ويحقق مكاسب اقتصادية على المدى الطويل.. فضلاً عن مكاسبه الأخرى في تغيير صورة الحياة في الدول العربية وثقافة المجتمعات، ولن تستطيع مجتمعاتنا أن تتقدم في ظل أنظمة تعليمية «متخلفة»؟! .. كما أن الاستثمار في التعليم ينبغي أن يسير في خطوط متوازية مع الاستثمار في الزراعة والصناعة والتنمية العمرانية وغيرها.. والحمد لله لدينا العقول القادرة على التفوق في مختلف المجالات، لو وفرنا لها تعليماً جيداً ومتطوراً.
أن الاهتمام بالتعليم وبالشباب ،الذي يؤكد عليه الجميع وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية ، بعيدا عن التحول نحو الاقتصاد الصناعي ، سيواجه طريقا مسدودا، ذلك انه لا يوجد فضاء أو مجال قادر على استيعاب امكانات التعليم الجيد والشباب والطموح المبتكر، إلا الاقتصاد الصناعي؛ لأن الاقتصاد التجاري لا يولد فرص عمل كافية.
«إن التحول والاعتماد على الذات تبدأه ادارة الدولة بمشاركة القطاع الخاص والاهلي وليس القطاع الخاص هو الذي ينطلق بالثورة الصناعية، فذلك فقط ما يغير تفكير الدولة لتتجه نحو المشاركة والديمقراطية وإعطاء الدور الحقيقي للاحزاب حتى تكون لها معينا في تجميع وتحفيز القوى الوطنية لدعم عملية النهوض بكافة أبعادها ومتاعبها.
هل نستطيع ؟ نعم، وهل لدينا الإمكانات والمؤهلات نعم، هل تمنعنا حالة المنطقة من المبادرة؟ كلا، ولكن لا بد من القرار الحكومي بذلك، فمتى يتحقق الأمل؟ تلك هي المسألة.
همسه:
ذكر الله -جل جلاله- في الآية الكريمة أن الصلح خير والخير يطلبه كل عاقل ويرغب فيه كل لبيب، فكيف وقد أمر الله به وحثّ عليه فلاشك أن على المسلم أن يزداد طلباً له ورغبة فيه ولا يجوز له رفضه. ولكن النفوس البشرية جبلت على الأثرة وحب الذات وعدم الرغبة في بذل ما عليها للآخرين...
الصلح خير في كل الأمور، وهو الخيار الأفضل في كل النزاعات والمشاكل، والأسلوب الأحسن في كل شيء، والجائز في جميع الأمور إلا إذا أحلّ حراما أو حرّم حلالاً فإنه لا يكون حينئذ صلحاً وإنما يكون جوراً.
عبد الرحمن الطالب بوبكر الولاتي