أمسيت قرير العين .. لا شيء يكسر سكون المكان إلا شخير "برلنائم" تائه في بحبوحة .. يبحث عن الزيادة و لو على حساب الفقراء ؛ مما قد يقوده يوما إلى نحسه .
له كلمات نشاز أشد إيلاما من وخز أشواك الطلح في سفوح الجبال ؛ تترصد كل سائر خارج قطيع العابثين بالأمانات .
جلست أنظر بحب فطري إلى الأرض .. أتطلع فيها إلى وطن حر مزدهر تسوده العدالة؛ فكانت حصيات الرمل تتطاير شررا .. ثائرة في عتاب مع الضمير، و لسان حالها يردد :
لماذا زكيته في الأصل ؟
و لماذا -يا أخي- هذا السكون و الاستكانة ؟
و لماذا الحكام يسعون -دوما- للإستدانة ؟
و الإستعانة من أجل السراب ؟
و أنت لاتزال يافعا في عز الشباب، و الأرض -كما ترى- يباب .
فقلت : لعلهم يسعون من أجلي ، و لأجلي قد يجوز المحظور ولو كان على الأحفاد السداد ..!
و طفقت أفكر و أخطط للعيش الرغيد مثل أي برلنائم موريتاني .
فوجدتني أتيه مع التائهين في فيافي الأوهام و صحاري الأحلام .
حاولت أن استرق السمع كي أعيد ترتيب كلمات تبعثرت تبعثر الفقراء في طرقات العاصمة ، فلم أسمع إلا ما كانت تلوكه ألسن البسطاء من مقال لا يروق للحاكمين في عهد النياشين و أصحاب الأوسمة .. المتحالفين مع القبليين الرجعيين .. الراشين البرلنائمين مرتين في أقل من سنتين .
و فجأة غصت جلسة "البرلنائمين" بالتبريكات و التبريرات، و الكل مزهو بنصر عظيم على منتخبيه .. و ظل الجمع يتبختر تملقا و تبجحا أمام أعين الكل .
و الشعب يندب حسرته على وجه شوهه الحرمان و كاهل أثقلته الديون .
فنهضت مخاطبا صحبي بعنتريات العاجز عن ترجمة الأقوال، و بفلسفة المثقفين العاطلين عن العمل ، و بكبرياء المتشبث بالأمجاد الزائفة .
و قلت : لعلكم حاسدون !
لقد أراد الحكام من الدين النماء لأنفسهم، و أراد البرلنائمون من الزيادة التغطية على الفشل، و المصادقة على كل مشروع غير مشروع ...
و عدت للبيت مبحوح الصوت .. مهيض الجناح ، و لم أجد في الصناديق إلا أمهات الديون ، و قد جف ضرع البقرات و ذبلت السنابل .
و أدركت حينئذ أن كلام الحملة الحلو أمر من الحنظل ساعة التدبر .
فهرعت الوساوس تتزاحم على عتبة ذاكرة ملها السأم و أنهكها التفكير ، فلم تعد تقوى على تركيب جملة مفيدة إلا في فن التصفيق و التطبيل ، لتتكسر الأحلام على جدار اليأس، ويطول بيات الوفر .
و تبقى جمعية برلنائمي الشعب حبلى بأجنة مشوهة من صناعة التملق و الطمع ، يأبى الحرف فيها أن ينطق إلا تزلفا..
بقلم/ الحسن ولد محمد الشيخ