تعتبر الوظيفة العمومية من أشرف وأنبل وأجل الوظائف على الإطلاق، فهي آلية للمشاركة في الحياة العمومية، ومن خلالها تقدم الخدمات للجميع بكل موضوعية وتجرد، ودون محاباة أو اعتبارات ضيقة، فالعسكري الذي يسهر لينام الآخرون ، والأستاذ الذي يبذل جهده وطاقته ليعلم الناس، والطبيب الذي يخفف من معاناة وآلام مرضاه، والإداري الذي يستيقظ باكرا ليقوم بحلحلة الملفات العالقة بمكتبه..، يساهمون بطرق مختلفة في بناء الوطن، ويشاركون في الحياة العمومية بما يقدمونه من خدمات عمومية يستفيد منها القوي والضعيف والغني والفقير، لذلك لا جدال في قد سيتها وعلو شأنها ونبل القائمين بها، فقد قيل ” إن الظرف يكسب من مظروفه عظما “، ولا يقدح هذا الطرح في الوظائف والمهن الأخرى، فجميع الوظائف والمهن شريفة ومقدسة ففي الحديث العمل كله شرف.
بيد أن للوظيفة إكراهات وواجبات فرضتها في جميع البلدان – الديمقراطية منها، والسائرة على طريق الديمقراطية – مدونات أخلاقيات الوكلاء العموميين، والنصوص القانونية المتعلقة بممارسة الموظف العمومي لوظيفته، لذلك على من يسعى لممارسة الوظيفة العمومية التقيد بها والاطلاع على مضمونها حتى لا يكبل بواجب التحفظ وإكراهات الوظيفة العمومية، أو يخالف النصوص القانونية دون قصد.
ومساهمة في إنارة الرأي العام والتوعية بإكراهات الوظيفة العمومية، نشير إلى أنه على المستوى الوطني جاءت المدونة الأخلاقية للوكلاء العموميين المضمنة في الأمر القانوني رقم: 2007 / 025 الصادر بتاريخ 09 بريل 2007 ، لتحدد واجبات الموظف العمومي اتجاه الدولة، ونصت في المادتين : 24 و 26 من الباب الخامس – المتعلق بواجبات والتزامات وكيل الدولة اتجاه الهيئات والإدارة -، على أن وكيل الدولة ملزم بالإخلاص للسلطة الدستورية التي يتبع لها، وعليه تنفيذ وظائفه بنزاهة وتجرد ضمن المصلحة العامة، وعليه كذلك الامتناع – حتى خارج نشاطه الوظيفي – عن كل ما من شأنه المساس من سمعة المصلحة العامة؛
فليس له أن يعيب الإدارة أو المنظمة التي يتبع لها، أو التعبير عن الأعمال المقام بها في الإدارة.
وتنص المدونة كذلك على أن وكيل الدولة مطالب بتنفيذ أوامر مسؤوله المباشر في السلم، وعند تقديره لعدم شرعية الأمر أو أن من شأنه الإضرار بالمصلحة العمومية أو ارتكاب الوكيل العمومي جريمة جنائية، يتوجب أمر بالتنفيذ؛
ويترتب على مخالفة مقتضيات المادتين حسب المادة 31 من المدونة عقوبات تأديبية لا تمس عن الاقتضاء بالعقوبات المحددة في نصوص تشريعية وتنظيمية أخرى.
ولا يخفى على أحد اليوم أن المصلحة العامة للبلد تتجسد – رغم تشعبها – في الوحدة الوطنية والابتعاد عن السعي وراء الشائعات في زمن سادت فيه المعلومة المزيفة، وأن التعيين في الوظائف السامية ثقة تمنحها السلطة المختصة على أساس الثقة مع مراعاة حماية المصلحة العامة وتقيد الموظف أو الوكيل العمومي بأخلاقيات الوظيفة العمومية، وخضوعه لما تتضمنه النصوص القانونية المتعلقة بالموظف العمومي والوظيفة العمومية، والإكراهات المتجسدة في واجب التحفظ والنزاهة والتجرد والإخلاص للسلطة الدستورية.