تشهد معظم المؤسسات العمومية الموريتانية شططا في التعامل مع العمال والموظفين ، وتجاهلا لحقهم ، وجهلا متعمدا للقانون والاتفاقيات الدولية التي دخلت حيز التنفيذ .
وتتسع رعونة ممارسات نخبة المدراء الجدد إلى التهديد والوعيد ، وخصم وقطع واقتطاع الرواتب حتى في حرمة شهر رمضان المبارك ، غير آبهين بما لذلك تجاوزات على القانون والمواطنة والانسانية .
وحسب معلومات حصل عليها موقع "صوت" فإن الأشهر الأخيرة قد شهدت عمليات خصم للأجور دون رأفة على شكل عقوبات للعمال والموظفين في بعض المؤسسات العمومية وشبه العمومية ، وبتجرد من أي وازع ديني أو قيم اخلاقية.
وتحتج هذه المؤسسات العمومية في سطوها على مرتبات العمال والموظفين بتعليمات رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني ، والوزير الأول المهندس محمد ولد بلال ، الداعية إلى المواظبة على العمل في المؤسسات العامة وأخواتها.
وتبدوا عودة السطو على المرتبات والأجور ، بمثابة حملة جديدة لتأجيج الاحتجاجات وتكريس الاحتقان والاحساس بالظلم والغبن بين أبناء الوطن ، وعودة تسيير المؤسسات العامة على شكل هبات وملكية خاصة للقائمين عليها.
ولعل الرواتب التي حافظت على استقرارها منذ بداية العهد الجديد ، وسط متغيرات وانجازات في شتى المجالات ، والتي كانت تترقب لفتة من رئاسة الجمهورية بزيادة عاجلة ، بدت هدفا للسطو من بعض المؤسسات العمومية وشبه العمومية ، بحجة ردع العامل والموظف ومعاقبة أسرهم التي تستمد حياتها ومعيشتها من الراتب الذي أصبح يسيل لعاب السيد المدير المهلهل.
وتهتم مختلف التشريعات في مجال الوظيفة العمومية بتوفير الضمانات الضرورية لحماية حقوق العامل والموظف سواء منها الحقوق المادية أو المعنوية ، وذلك تأمينا لاستقرار أوضاعه ، و اكتساب ثقته في الإدارة و طمأنته على مستقبله ، وتحفيزه للأداء الأفضل .
وحتى تكون تلك الضمانات قائمة على أساس ، فإن المشرع يصوغها على شكل قواعد ونصوص قانونية واضحة ، يشكل البعض منها امتيازات وظيفية تخص الموظفين دون غيرهم .
وتشمل هذه الحقوق و الامتيازات الحق في الرواتب و التعويضات و الترقية و العطل ، و الحق في المعاش التقاعدي .
ومن أهم هذه الحقوق المفقودة، حماية العامل والموظف من شطط الإدارة في استعمال سلطتها ضده، بتوفير حقه في مواجهة القرارات الإدارية غير المشروعة بالطعن الإداري أو القضائي .
و لا ريب أن أهم الحقوق التي أقرها القانون للعامل والموظف هي الحقوق المالية باعتبار وظيفتها الاجتماعية و المهنية ، فهي من ناحية تجعل الموظف يطمئن على مستقبله المعيشي ، ومن ناحية ثانية تحفزه على الأداء الجيد وتطوير مهاراته ، لذلك فإن المساس بها دون مراعاة الضمانات ، يعد انتقاصا من وضعه القانوني ومركزه المالي ، و بالتالي إخلال بالتزامات الإدارة إزاء العامل والموظف ، الأمر الذي تنجم عنه أحيانا آثار مادية سلبية على الحياة العائلية ، وليس أدل على ذلك إقدام الإدارة في غالب الأحيان على خصم جزء من راتب العامل أو الموظف وهو تصرف ارعن وشائع لدى مسييري المؤسسات العمومية والخاصة الأكثر جهلا للقانون
إن القانون بمختلف مصادره سواء على المستوى القاري أو الإقليمي أو الوطني قد أقر للعامل والموظف حماية قانونية في مواجهة ارهاصات الإدارة ، ضمن الحماية القانونية الجزائية للعون العمومي في مواجهة الغير.
ويرى احد المهتمين بالجانب النقابي في حديث لموقع "صوت" أن التعيينات لعبت دورا محوريا في عودة الانتقائية والغبن بين العمال وغياب المساواة ، ومقتضى مدونة الشغل والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها موريتانيا والتي دخلت حيز التنفيذ منذ زمن بعيد.
فقد تغولت معظم المؤسسات العمومية على حقوق عمالها وموظفيها ، وعاد طابع القرابة والجهوية إلى علاقة العمل ، حتي أصبح راتب البواب قريب المدير يساوي اضعاف راتب أحد زملائه.
وتنص اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 100 على مساواة العمال والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل.
كما تنص الاتفاقية رقم 111 على عدم التمييز في الاستخدام والمهنة.
ومهما يكن من أمر فإن السلطات العليا مطالبة بكبح جماح المؤسسات العمومية وشبه العمومية ، ووقفها عند حدها ، وفتح مراكز تعليم للمدراء حول اختصاصاتهم ، وقانون الوظيفة والعمل ، والتزامات موريتانيا الدولية في هذا المجال.