ما حدث الليلة البارحة في مدينة نواذيبو كان مجزرة حقيقة راح ضحيتها مواطنون أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم وُجدوا في المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ.
قبل مجزرة البارحة سمعنا عن جرائم بشعة في مدينة نواذيبو راح ضحيتها مواطنون أبرياء، لا ذنب لهم هم أيضا إلا أنهم وُجدوا في المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ.
من يقرأ أو يسمع عن مثل هذه الجرائم البشعة والمتكررة سيجد أنها متشابهة دائما في أهم تفاصيلها: شاب أو مجموعة شباب تحت تأثير المخدرات، ومن أصحاب السوابق، يطعنون مواطنا أو مواطنين أبرياء بسكاكين.
إن الكلمات المفاتيح التي تتكرر دائما في مثل هذه الجرائم هي : الشباب؛ المخدرات؛ سوابق؛ سكاكين. إن مثل هذه الجرائم البشعة لن يتوقف ما دامت المخدرات تنتشر في أوساط الشباب، وعلى من يريد أن يحد من هذه الجرائم أن يحدَّ أولا من انتشار تعاطي المخدرات لدى الشباب.
أن يتعاطى شاب ما المخدرات، فذلك سيعني ـ وبشكل تلقائي ـ أنه أصبح مشروع مجرم يمكن أن يرتكب جريمة في أي وقت، وعندما يتعاطى شابٌ ما المخدرات فذلك دليل على أن:
ـ هناك أسرة فشلت في تربية إبنها؛
ـ هناك مدرسة فشلت في مهمتها؛
ـ هناك إعلام فشل في تأدية رسالته؛
ـ هناك علماء ووعاظ ودعاة لم يقوموا بدورهم؛
ـ هناك مجتمع مدني فشل في أداء مهامه؛
ـ هناك مجتمع بكامله فشل في أداء واجبه.
نعم هناك مجتمع كامل فشل في مواجهة تفشي المخدرات في صفوف الشباب، والسبب في ذلك أنه من النادر جدا أن تجد أسرة ما تضع في أولوياتها حماية أبنائها من المخدرات، فكثير من الأسر لا يعتبر أصلا أن المخدرات هي أخطر ما يهدد أبناءه في زمننا هذا. ومن النادر جدا أن تجد اهتماما في المدرسة بهذا الخطر الذي يهدد شبابنا، لا تجد اهتماما به
في المناهج الدراسية، ولا في أساليب الرقابة المعتمدة داخل وخارج المدرسة.
يتحدث الإعلام ـ وبشقيه التقليدي والحديث ـ عن كل شيء ولكنه من النادر أن يتحدث عن المخدرات، ومن الصعب جدا أن تجد في كل الوسائط الإعلامية أي برامج للتوعية ضد خطر المخدرات التي تفعل أفاعيلها بالشباب.
يتحدث العلماء والوعاظ والدعاة عن كل شيء، ولكن من الصعب جدا أن تجدهم يتحدثون عن خطر المخدرات.
تهتم منظمات المجتمع المدني الفاعلة بمجالات محددة، وتجد الكثير منها يتنافس في المجال الواحد، وذلك في وقت يصعب فيه أن تجد منظمات شبابية متخصصة تنشط بشكل جدي في مجال محاربة المخدرات والحد من انتشارها في الوسط المدرسي أو في أوساط الشباب عموما.
صحيحٌ أن المسؤولية الأكبر في مواجهة الجريمة تقع على المؤسسات الأمنية، وصحيحٌ أيضا أن هناك تقصيرا أمنيا ما أدى إلى تسجيل تلك الجرائم البشعة ويجب أن يُعاقب المسؤولين عن ذلك التقصير. كل ذلك صحيح، ولكن الصحيح أيضا هو أن المجتمع بكامله يتحمل جزءا من المسؤولية، وأنه إذا لم تطلق حملة وطنية جادة ضد المخدرات يشارك فيها الجميع : الأمن؛ المدرسة؛ العلماء والدعاة؛ الإعلام؛ منظمات المجتمع المدني، القطاعات الوزارية المعنية...إذا لم تطلق حملة وطنية من هذا النوع فإن مثل هذه الجرائم البشعة سيظل في اتساع وتصاعد.
لقد آن الأوان لأن نعطي لتهديد المخدرات ما يستحق من اهتمام رسمي وشعبي، وإلا فإن القادم من الجرائم سيكون أكثر بشاعة وخطورة.
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين ولد الفاضل