نظمت مؤسسة رسالة السلام العالمية للدراسات والبحوث الإسلامية بموريتانيا إفطارا تحت شعار "الزكاة صدقة وقرض حسن" حضره العديد من المسؤولين والمفكرين وقادة الرأي والصحفيين والكتاب والمثقفين.
وقد تم خلال الإفطار توزيع كتاب "الزكاة صدقة وقرض حسن" لمؤلفه المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي على المدعوين.
وبعد تناول الإفطار رحب رئيس مؤسسة رسالة السلام العالمية للدراسات والبحوث الإسلامية بموريتانيا الأستاذ حي حسن معاوية بالحضور، مثمنا لهم حضورهم، مؤكدا على أهمية شعيرة الزكاة في الخطاب الإلهي، وشكر الاستاذ حي معاوية حسن القائمين على مؤسسة رسالة السلام، ووجه الشكر والتقدير لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، ولحكومته على الوقوف مع المؤسسة، ودعم دورها في الساحة الثقافية والفكرية الموريتانية.
ليتناول الكلام بعده رئيس مركز تسامح لنشر فكر التعايش والسلام أحمد ولد الحافظ الذي قدم مختصرا عن كتاب "الزكاة صدقة وقرض حسن" وقد جاءت الكلمة على النحو التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين..
أيها الجمع الكريم؛ في هذه الأيام المباركة من هذا الشهر المبارك (شهر القرآن) يتعرض إخوتنا في القدس لأبشع أشكال الظلم والإهانة، من طرف واحد من أحقر الاحتلالات التي شهدت البشرية، وهي مناسبة لنعلن كل التضامن معهم، وكل المؤازرة لهم، سائلين الله أن يهيئ لهم من أسباب المعرفة والتقدم والحجة.. ما ينتصرون به على هذا العدو الغاشم.. مناسبة للفت أنظار كل المؤمنين بحق الحرية وحق الاختلاف وحق التعايش.. الذين تكفلهم كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية.. نلفت انتباههم إلى أن سكوتهم على هذا العدوان السافر يضع إشارة استفهام أمام صدقية إيمانهم بتلك القيم..
أيها الجمع الفاضل؛ لا يتعلق الأمر بمحاضرة أو بحث أو دراسة.. إنه ليس غير تقديم لكتاب يطرح طرحا جديدا لشعيرة الزكاة، لا يرتكز فيه إلا على كلام الله، إنه كتاب المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي "الزكاة صدقة وقرض حسن" وكما أنه ليس كتابا تقليديا، فإننا لن نتناوله بصيغة تقليدية.. كلما في الأمر تقريباً أنها سنستثمره فرصة لتذاكر موضوع يمهنا كمسلمين أولا، ويقف على أبوابنا اليوم ثانيا، إنه موضوع الصدقة أو الزكاة، يهمنا لأنه ركن من أركان ديننا، وشعيرة من أعظم شعائرنا، ويقف على أبوابنا؛ لأننا خلال أيام قليلة سنبدأ كلنا إخراج زكاة الفطر، لا يتعلق الأمر هنا بزكاة الفطر بذاتها، وإنما يتعلق بالزكاة بصورة عامة، ومكانتها في هذا الدين القويم؛ تلك المكانة التي أدركها الخليفة أبو بكر رضي الله عنه، فأعلن الحرب على مانعي الزكاة.
جمعنا المبارك؛ الزكاة شعيرة إسلامية عظمى لما تمثله من مركزية في الدين الإسلامي أولا، ولما تلعب من أدوار في استقرار المجتمع الإسلامي ثانيا، وهي الحد الأدنى من الإنفاق الذي أمر الله سبحانه به في أكثر من موقع وحث عليه في أكثر من آية، وقد أمر الله كل المسلمين بالإنفاق؛ سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، يقول الله تبارك وتعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً) وواضح من هذه الآية الكريمة أن الكل مطالب بالإنفاق؛ إذ ليس ثمة من لم يؤته الله شيئا؛ فثمة من آتاه الله المال وعليه أن ينفق منه، وثمة من آتاه العلم وهو مطالب بالإنفاق منه، وثمة من آتاه الله قوة في الجسم وعليه الإنفاق منها، وهناك من آتاه الله جمالا في الصوت وهو مسؤول عن الإنفاق منه.. إلى غير ذلك من المواهب التي يهب الله عباده.
والزكاة -أو الصدقة- هي الشعيرة الوحيدة من الشعائر التي تكفل لصاحبها التطهير والتزكية، إذ يقول المولى -وقوله الحق- مخاطبا نبيه صلى وسلم عليه (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولا يخفى على أي منا أن هاتين المنزلتين (التطهير والتزكية) هما قمة طموح المؤمن في حياته، أن يطهره الله ويزكيه.
وقد أقر الله في كتابه الكريم أن الزكاة موجبة لرحمة الله، يقول جل من قائل (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآيات يؤمنون) ولاحظوا معي في هذه الآية أن رحمة آتي الزكاة سبقت رحمة المؤمن بآيات الله.
وهي الشعيرة الوحيدة -أيضا- التي يتمنى الميت -وفق كتاب الله- عند حضور الموت له أن يمهل قليلا حتى يستزيد منها؛ إذ لم يتمن الاستزادة من الصلاة ولا الصيام ولا الحج، ولا -حتى- ترديد الشهادتين، يقول الله (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) ولنلاحظ قوله (وأكن من الصالحين) إذ يقول الله تبارك وتعالى في آية ثانية (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) فالله قال بشأنه أعمل صالحا فيما تركت، والمعروف أن ما تستخدم لغير العاقل؛ أي أعمل صالحا في مالي؛ فأنفق منه وأتصدق، والربط بين الصدقة والصلاح أو بين المتصدقين والصالحين مر علينا في الآية الآنفة (فأصدق وأكن من الصالحين) أي أن الصدقة عمل الصالحين، لذلك طلب من الله إرجاعه للحياة كي يتصدق.. وفي آية أخرى (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) نفس الطلب السابق، ويقول الله تبارك وتعالى (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) ورغم أن الرياء في القربات مذموم ومنبوذ، فقد تجاوز الله عنه للمتصدقين، لمكانة هذه الشعيرة لديه، فقال وقوله الحق (إن تبدو الصدقات فنعما هي) وخصها المولى في محكم كتابه -كذلك- بأخذها من الناس، وبقبول التوبة بواسطتها عنهم وليس منهم، إذ يقول (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) ولنلاحظ أنه جل وعلا قال عن عباده ولم يقل من عباده.. والحقيقة أن مآثر هذه الشعيرة ومكانتها عند الله وفي كتابه تصعب الإحاطة بها في ظرف وسياق ليسا مثل ظرفنا وسياقنا.. أحرى!
والصدقة المفروضة أو الزكاة حدد الله في كتابه المحفوظ قدرها ونسبتها - تماما مثلما حدد مصرفيها- وقد فصل المولى جل وعلا أنواع مصرفي الزكاة في قوله (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل).