في الوقت الذي أخذ الاجرام طابعا جديدا يتمثل في ارتفاع معدلات الجريمة و صعوبة السيطرة علي أسبابها في ظل التزايد الديمغرافي الحاد و التحولات الاجتماعية المختلفة ، يتضح جليا الكثير من الصعوبات التي تواجه القوي الأمنية خصوصا في الوقاية من الجريمة ، إذ من الصعب السيطرة علي سلوكيات إجرامية تتطور بشكل متسارع بنفس العقليات و الأساليب التقليدية .
من هذا المنطلق وفي سياق مشابه لما تعيشه موريتانيا حاليا قامت العديد من دول العالم بإنشاء شرطة للقرب (police de proximité) من أجل ضمان فعالية أكبر في السيطرة علي الجريمة ، تتلخص مهمتها في فرض الأمن و الوقاية من الجريمة من اجل تحقيق أهداف (الحي الآمن) .
فمثلا ساعدت هذه التجربة الشرطة الفرنسية في ضبط الأمن في ضواحي باريس ، كما أيضا سيطرت المغرب من خلالها علي معدلات الجريمة (بين عامي 2004 و 2008).
و لقد كنت شاهدا وزملائي من الطلبة الموريتانيين في المغرب قبل حوالي عشرين عاما كيف تمكنت شرطة القرب المسماة محليا ب(كرواتيا ) من السيطرة بشكل سريع علي الجريمة في الاحياء التي كنا نقطن بها .
مقترح إنشاء شرطة القرب
هي شرطة خفيفة متنقلة يتلخص دورها في الانتشار في الاحياء السكنية و أمام المدارس و داخل الأسواق ...الخ و بقية أماكن التجمعات العامة عبر دوريات دائمة .
في الغالب يتم تزويدها بوسائل لوجستيكية تساعدها علي السرعة في الحركة كالدرجات النارية و العربات الخفيفة و يتم اختيار عناصرها من الافراد الناضجين و ذوي معرفة جيدة بالقانون .
تقوم الشرطة دوريا بتحديد احتياجات المجتمع من الأمن و وضع برامج خاصة لتلبيتها مثلا : (برنامج الحد من جرائم الشباب ) و هو برنامج يستهدف المدارس الموجودة في المناطق الفقيرة و بالتنسيق مع مديري المدارس و أباء التلاميذ من اجل انقاذ الشباب المعرضين لخطر الانزلاق نحو الجريمة .
من عقلية فرض النظام.... الي فرض الأمن
غالباً ما يكون للشرطة في الدول الخارجة من مرحلة النظام الشمولي أو من مرحلة انتقالية للديمقراطية سوابق في كونها أداة للقمع، وقد يميل أي نظام إلى الاستمرار في استخدامها بتلك الطريقة.
وفي سياق هذا الموروث التاريخي تحديداً، يستلزم من شرطة القرب تبني فلسفة مختلفة للعمل بعيداً عن الحزبية وبتفريق واضح بين واجباتها وواجبات الشرطة التقليدية أو الجيش او الدرك ...الخ . حيث يتم التركيز على المجتمعات - الشعب - وحاجاتها وتوفير الشرطة كخدمة لهذه المجتمعات بشكل مسؤول ومن خلال احترام حقوق الانسان.
بالتالي ترجمة هذه المقاربة تحتاج الي :
ان تكون شرطة القرب خدمة لا قوة
ان تكون قريبة من زبنائها (المواطنين )
ان تكون عرضة للمحاسبة القانونية
ان يتم وضع الية لتقويم أدائها من طرف المواطنين
التعاون مع المواطنين عن طريق .....تجربة قائد الحي
لتعزيز الامن و تسهيل عمل شرطة القرب ينبغي تنظيم الاحياء السكنية و خصوصا الشعبية منها عن طريق استحداث قائد الحي بحيث يكون مسؤولا بشكل مباشر عن المهام المتعلقة بحفظ النظام العام وخصوصا مراقبة الاسلحة و المخدرات وترويجها داخل الحي و مراقبة الأماكن المشبوهة ، ايداع المختلين عقليا بالمصحات الاستشفائية ...الخ .
يقوم القائد بإعداد تقارير دورية عن الأمن و التنسيق المباشر مع شرطة القرب .
ختاما :مراجعة و تحديث الاطار القانوني و التنسيق مع القضاء
تجب مراجعة و تحديث الإطار القانوني من اجل تسهيل عمل شرطة القرب و التواصل بشكل مباشر مع القضاء الجنائي لمواكبتها في عملها .
كانت هذه مقترحات نظرية عامة لكن حسن التنفيذ يبقي الضرورة لا غني عنها لضمان نجاعتها !!