يجب علينا جميعاً أن نكافح بشتى الوسائل ظاهرة التسول التي قد شوهت صورة مجتمعنا الكريم وما نشأ عنهم من أضرار أخلاقية وسلوكية واجتماعية وأمنية وأن نكون يداً واحدة ضد هؤلاء المتسولين وأن نبحث عن الفقراء والمعوزين الحقيقيين لا المحترفين والخطرين وما ينتج عنهم من سرقات ونشل وفساد أخلاق وترويج مخدرات تحت ستار التسول.. كم هو جميل ورائع أن يتحلّى الإنسان المؤمن بحب فعل الخير والصدقات والإحسان للفقراء والمحتاجين، ومد يد العون والدعم والجود والكرم لمن هو في أمس الحاجة لها، وأن ينفق من أجود ماله وما تفضّل عليه خالقه من نعم، ويسعى لتوزيعها على الفقراء والمساكين ينشد الأجر والثواب من مولاه، يشعر بالسعادة والغبطة التي لا توصف وهو يخفف عن هؤلاء المعاناة وأعباء الحياة ومصاعبها، هذا هو ديننا وتلك هي أخلاقنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمناً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه...) رواه مسلم. إنه صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ولكن علينا جميعاً بتفكير وجد وتعقُّل أن يكون كل ما تجود به أنفسنا في المسار السليم الصحيح، نعم أن ندرك تماماً من هم الذين يستحقون هذا الدعم؟
يمكن تعريف ظاهرة التسول على أنّها إحدى الظواهر الاجتماعية المنتشرة في العديد من المجتمعات الإنسانية، والتي من خلالها يُقدِم الأفراد على استجداء الناس وطلب المال منهم عند الالتقاء بهم في المناطق العامة، ويدِّعي معظم المتسولين حاجتهم إلى الأموال؛ ليستعينوا بها في بعض ما يحتاجون إليه في حياتهم اليومية، وقد يتخذ بعض المتسولين مكانًا محددًا في شارع ما أو في منطقة ما، والتي تتميز بزيادة عدد المارة فيها، وعادة ما تطول فترة وجود المتسولين في المناطق العامة لتشمل معظم ساعات النهار ليكون ذلك سببًا في حصولهم على أكبر قدرة ممكن من أموال التسوُّل.
وقد تتم ممارسة ظاهرة التسول بشكل فردي أو قد يكون ذلك بشكل جماعي من خلال تجنيد المتسولين لتصبح عملية جمع الأموال من التسول أكثر تنظيم، وذلك بوجود شخص يكون مسؤولًا عن إدارة المتسولين وتوزيعهم على بعض الأماكن في أوقات محددة، وهناك بعض التنظيمات الخاصة التي تؤمِّن للمتسولين بعض الخدمات مثل: خدمات التنقل من وإلى أماكن التسول، وتأمين السكن ووجبات الطعام، وتغريهم بوعود من أجل جمع الأموال واستخدامها لأغراضهم الخاصة، على أن يتقاضى المتسولون وبشكل يومي جزءًا يسيرًا من الأموال التي يتم جمعها
كما تؤدي ظاهرة التسوّل إلى انتشار الإرهاب لأنّ المُتسوّلين يكونون أكثر عُرضة للاستجابة للمُغريات المادية بسبب فقرهم أو طمعهم وحُبهم للمال، كما أنّ معظم المتسوّلين من المنحرفين وأصحاب الأخلاق غير الحميدة فبالتالي يسهُل استدراجهم من قِبل العصابات والمُنظمات الإرهابيّة من أجل تجنيدهم لصالحهم وتنفيذ العمليات الإرهابيّة داخل البلاد وخارجها مُقابل المال، أو من أجل الاستفادة منهم في تسيير عمليات التجارة غير المشروعة كتجارة الأعضاء البشرية والمخدرات.
أوضح أشكالها وجود المتسولين عند المساجد وعلى جنبات الطرقات أو عند إشارات المرور أو المطاعم أو المستشفيات أو البنوك أو محطات الوقود أو الأماكن العامة الأخرى. ويلجأ بعض المتسولين إلى عرض خدماتهم التي لا حاجة لها غالباً مثل مسح زجاج السيارة أثناء التوقف عند الإشارات أو محطات البنزين، أو إيقاف الأشخاص على الطرقات واستجدائهم بحجة سرقة مالهم أو خلق حيل مختلفة ولاسيما أنهم في عنفوان الشباب وذلك بوضع الأطفال الرضع في المساجد لاستدرار عطف وشفقة المصلين وغير ذلك. (اعطيني من مااعطاك مولانا او كدم شئ لاخرتك او صدك صدك. عندى حد مريض...الخ) وغيرها من كلمات المستعملة من المتسولين لاستدراج عطف وكرم الآخرين.
أسباب ظاهرة التسول هناك مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى شيوع ظاهرة التسول في المجتمعات الإنسانية، حيث تكون هذه الأسباب سببًا لِلُجوء بعض الأشخاص إلى طلب الأموال من الغرباء في المناطق العامة، ومن أبرز أسباب انتشار ظاهرة التسول في المجتمعات الإنسانية ما يأتي: عدم وجود المال الكافي لقضاء الاحتياجات اليومية سواء كان ذلك بسبب انعدام مصادر الدخل أو بسبب عدم كفايتها لسد احتياجاتهم. الحاجة إلى تمويل بعض الممارسات الإدمانية التي تحتاج إلى قدر كبير من الأموال مثل الحصول على المخدرات أو المواد الكحولية. وجود بعض الأمراض التي يتطلب علاجها الحصول على بعض الأموال لإجراء العمليات الجراحية أو لشراء الأدوية المرتفعة الثمن، وهذا يدفع بالمرضى إلى التسوُّل.
فالتسول هو طلب مال، من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم وإحسانهم، إما بسوء حال أو احتياج أو احتيال بالأطفال أو النساء، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم، وهي ظاهرة خطيرة تشوه صورة مجتمعنا وتعود المحتاجين على الكسل
لقد حثّ الإسلام على الصدقات، والإنفاق في سبيل الله عز وجل، قال تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (245) سورة البقرة، ورغب الإسلام في تفقد أحوال الفقراء والمساكين، والمحتاجين والمعوزين، وحث على بذل الصدقات لهم فيجب علينا جميعاً أن نتكاتف لمنع أولئك المتسولين من رجال ونساء وأطفال، والأخذ على أيديهم، ومنعهم من تلك الظاهرة الخطيرة التي تنظمها عصابات معظمهم من الوافدين وتستخدم تشويه الأطفال والنساء لاستدرار عطف الناس وتعويدهم على التسول، وتسببت في تشويه صورة المواطنين وسرقتهم، فربما ظن كثير من زوار هذا البلاد أنّ البطالة والفقر والتسول هما سمات في هذا المجتمع الكريم. ولاسيما أن هؤلاء المتسولين يرتدون الزي الوطني وهم في عنفوان الشباب.. فليعلم الجميع أنّ الإسلام دين عمل وجد وإنتاج ونشاط لا كسل ولا خمول ولا اتكال، فتختلف أوضاع وطرق التحايل في التسول في العالم، فأغلب دول العالم تمنع التسول وتكافحه بطرق مختلفة قد تفلح وقد تفشل، فإنّ التسول قد يدفع إلى الجريمة وبكل أشكالها فهو بداية الطريق للسرقات والانحراف والإسلام يحرمه ويذم المتسولين نظراً لما له من أضرار على المجتمع وتقدمه ورقيه.
فعلى الجميع وبالأخص من يعنيه الأمر من الجهات المعنية النظر في ظاهرة التسول لمحاربتها والقضاء عليها قضاءً مبرماً وبالأخص وزارة الشؤون الاجتماعية والأمن العام وأئمة المساجد. وعلى جميع المواطنين أن يكونوا يداً واحدة لمحاربة هؤلاء بشتى الوسائل وعدم التهاون معهم أو مد يد العون لهم بأيّ مساعدة تذكر. سائلاً الله التوفيق للصالح العام.