حذرت هيئة أممية من حدوث تغيُّرات غير مسبوقة في المناخ بكل منطقة من مناطق العالم، وقالت إن التخفيضات الحاسمة في انبعاثات الكربون هي وحدها التي يمكن أن تحد من آثارها المدمرة المحتملة.
فمن المرجح أن ترتفع درجات حرارة العالم بحلول عام 2030 إلى 1.5 درجة مئوية على الأقل فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، مع زيادة حدة ووتيرة الظواهر المناخية المتطرفة مثل موجات الحر والفيضانات والجفاف، وفق ما تنبأت به ’الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ‘ في التقرير الذي عُد علامةً بين التقارير ذات الصلة.
وحذرت ’الهيئة‘ أنه من دون تخفيضات عالمية فورية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، قد يصل الاحترار إلى درجتين مئويتين بحلول نهاية القرن في أسوأ سيناريو، مع وصول درجات الحرارة القصوى إلى ”عتبات الاحتمال الحرجة للزراعة والصحة“.
ذلكم التقرير الصارم، الذي تمت الموافقة عليه من قِبل 195 حكومةً عضوًا في الهيئة بعد أسبوعين من محادثات أُجريت عن بعد، تحدث دونما مواربة وبصراحة متناهية وهو ينحي باللائمة في موضوع تغير المناخ، إذ يقرر: ”من الواضح أن التأثير البشري قد أدى إلى تدفئة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض“.
من ثم، سارع الأكابر في مجال العلوم والتنمية إلى دعوة قادة العالم للعمل والتصرف وفق النتائج العلمية لمحادثات المناخ COP26، التي ستُجرى في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021، في جلاسكو بالمملكة المتحدة، الذي يُعقد في نوفمبر، لحماية المجتمعات الضعيفة الأكثر تضررًا من تغيُّر المناخ.
وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التقرير بأنه ”إنذار أحمر للبشر“، مشيرًا إلى حالة الخطر المحدق بهم.
وقال في بيان: ”أجراس الإنذار تصم الآذان، والدليل لا يمكن دحضه.. انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا، وتعرِّض مليارات البشر لخطر وشيك“، وحث قادة الحكومات على جعل محادثات COP26 ناجحة.
أما محمد أدو، مدير مركز الأبحاث ’باور شيفت أفريكا‘، ومقره نيروبي: فيقول: ”الذين يعيشون في أفريقيا يدركون مدى إلحاح أزمة المناخ لسنوات عديدة، لقد تشتتنا في دروب الحياة وسبل العيش بسبب الحرارة الشديدة وارتفاع منسوب البحار والطقس القاسي“.
”من الضروري أن تهتم الحكومات بتحذير علماء ’الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ‘ وتتصرف بسرعة وجرأة لجعل عالمنا أكثر أمانًا ونظافةً واخضرارًا“.
ومن الأهمية بمكان أن تتصرف الحكومات الآن.. الآن، وفق ماثيوز مالاتا، قائد ’حركة العمل البيئي‘ المؤقت في ملاوي.
يقول ماثيوز لشبكة SciDev.Net: ”لقد أصبحت فوضويةً بالفعل، فقد سجلت كلٌّ من موجات الحر وارتفاع البحر والجفاف والفيضانات ارتفاعًا طفيفًا من حيث الشدة، ونحن الجيل الوحيد الذي لديه هذه الفرصة الذهبية لفعل شيء حيال ذلك“.
وفعلًا يأتي هذا النذير الشديد، المعروف باسم تقرير التقييم السادس، بعد عام من الأحداث المناخية القاسية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك حرائق الغابات والفيضانات.
وهو أول تقرير يقدم تقييمات إقليمية مفصلة لتغير المناخ، بهدف توفير المعلومات لتقييم المخاطر والتكيُّف واتخاذ القرار.
وعلى موقع الهيئة بشبكة الإنترنت أطلس تفاعلي يتيح للأشخاص التعمق في توقعات المناخ وسيناريوهات الانبعاثات لمختلِف المناطق الجغرافية والمدد الزمنية، اعتمادًا على مجموعة من مجموعات البيانات.
بالنسبة لشمال أفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى الزيادة المتسارعة في درجات الحرارة، يتوقع التقرير زيادة موجات الحرارة المتطرفة، وانخفاض البرودة الشديدة، وزيادة معدلات موجات الحر البحرية.
على الصعيد العالمي، من المتوقع أن يؤثر الاحترار المستمر للكوكب على الدورة الهيدرولوجية، بما في ذلك التقلب في هطول الأمطار، ما يؤدي إلى المزيد من الفيضانات في بعض المناطق مقابل الجفاف في مناطق أخرى.
ويؤكد التقرير التوقعات السابقة أن مستويات سطح البحر ستستمر في الارتفاع، مما يزيد من مخاطر الفيضانات في المناطق الساحلية المنخفضة، ومن المتوقع أن يزداد هطول الأمطار في المناطق الاستوائية في أفريقيا، لكنه ينخفض في منطقة شمال أفريقيا وحوض البحر المتوسط، ما يزيد من أخطار الجفاف وحرائق الغابات هناك.
عن نتائج التقرير وتوقعاته لكل منطقة، فإن المصري سمير طنطاوي -الاختصاصي في ’اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ‘- يوصي بوجوب أخذ النتائج الإقليمية على محمل الجد.
يقول طنطاوي: ”من المتوقع أن يتأثر اقتصاد شمال أفريقيا والشرق الأوسط بفقدان الأراضي الخصبة والبنى التحتية ومشروعات صناعية أخرى“.
”والدول الأقل نموًّا هي التي تتحمل تكاليف تغيُّر المناخ وتعاني معظم آثاره السلبية، سواءٌ بسبب موقعها الجغرافي أو ضعف اقتصاداتها“، وفق ما يعتقد طنطاوي.
ونوه بأن خطط التنمية الوطنية في حاجة إلى التحرك نحو المصادر غير الملوثة في توليد الطاقة، مشيرًا إلى تشجيع الاستثمار في المبادرات الخضراء وخفض الانبعاثات.
بدورها، فإن عالِمة المناخ إينيس كاميلوني، الأستاذة بجامعة بوينس آيرس الأرجنتينية، وأحد المؤلفين الرئيسيين لتقرير الهيئة عام 2017-2018، تؤكد أن أكبر مصادر الانبعاثات في أمريكا اللاتينية، البرازيل والمكسيك والأرجنتين، يجب أن تتحمل وتتعهد بالتزام أكبر فيما يتعلق بالانبعاثات في المنطقة.
تقول كاميلوني لشبكة SciDev.Net: ”لكن أما وقد صارت آثار تغير المناخ مشهودةً بالفعل، فمن الضروري أيضًا العمل الجاد على التكيُّف مع تغيُّر المناخ لتقليل العواقب السلبية التي ينتجها“.
وفي COP26، يجب على الدول ”زيادة طموحاتها“ لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما تقول، مضيفةً: ”ما زلنا بعيدين عن الحد الأقصى البالغ 1.5 درجة [مئوية]، والذي تم تحديده على أنه أساسي ولا يجب تجاوزه إذا أردنا تجنُّب استمرار الآثار التي لا رجعة فيها والمزيد من المخاطر، لا سيما على السكان الأكثر ضعفًا“.
وبالعودة إلى واجب الحكومات فإن نيكولاس ستيرن -رئيس معهد جرانثام لأبحاث تغير المناخ والبيئة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية- يقول: ”الآن.. يجب أن تركز كل حكومة على الاستثمارات والابتكار المطلوبين للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في أسرع وقت ممكن“.
ويضيف ستيرن: ”نحن نعلم أن هذه الاستثمارات ستقود إلى تحسينات مستدامة في النمو والازدهار ومستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم“.
ويؤكد أنه ”يقع على عاتق الدول الغنية واجب مساعدة البلدان الفقيرة في التمويل للقيام بالاستثمارات التي ستساعدنا جميعًا“.
انتاج عبر النسخة الدولية لموقع SciDev.Net