شكل اعتراف رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى بوجود قصور فى عمل بعض الدوائر التنفيذية، وعزمه مراجعة الإختلالات الملاحظة ، والوفاء بما تعهد به للشعب عشية انتخابه، رسالة بالغة الدلالة، ومقاربة جديدة فى مجال تسيير الشأن العام، لم يعهدها كثير من الناس، وخصوصا من أصحاب القرار والسلطة المطلقة فى تقرير مصير الآخرين، وهو ما أطلق موجة من التكهنات والشائعات حول مستقبل الحكومة الحالية، أو على الأقل بعض الدوائر المؤثرة فى الحياة اليومية للسكان، أو تلك المكلفة بمشاريع هيكلية يراد منها تغيير واقع البلاد، وتضميد جراح ساكنيها.
غير أن المتابع لآلية التسيير المعتمدة أو المقاربة المتبعة من قبل رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى لمجمل الملفات المثارة منذ توليه مقاليد الحكم، يمكنه الجزم بوضوح بوجود مراجعة قيد التشكل، وانتظار تغيير نوعى فى الأداء والأفراد، وآلية التسيير، والنظر فى وجاهة بعض القضايا المثارة من قبل الرأي العام فى ملفات الروتين الإداري والفساد المالى، وضرورة فرض التغيير المنشود، لكن كل ذلك بشكل هادئ ومتدرج، وبمنطق يبتعد كل البعد عن ردات الفعل المعتادة، أو الاستعجال المربك لسير المؤسسات والقائمين عليها، مع إمكانية الدفع بحزمة من التغييرات الشاملة، تأخذ فى عين الاعتبار واقع المؤسسات التنفيذية، واستحقاقات المؤسسة العسكرية ، ونتائج لجان التفتيش الحالية، والتوازنات التقليدية، ومتطلبات العمل الحكومى اليومية، والنفس السياسى المطلوب من أي سلطة يناط بها تسيير أمور الناس.
ويرى أغلب المتابعين لسير الأمور داخل البلد، إمكانية تشكيل حكومة جديدة نهاية يناير 2022 مع الإبقاء على رأس الحكومة ، بعد انتهاء الدورة البرلمانية طبعا، وعودة الرئيس من عطلته الشتوية، وتقديم الوزير الأول محمد بلال مسعود حصيلة عمل الحكومة الحالية، واستجلاء حقيقة واقع التسيير داخل بعض الدوائر الحكومية، وانتهاء بعض الأجندة الحكومية (اليوم الموريتانى بالإمارات العربية المتحدة، وبعض اللجان الفنية المشتركة مع بعض الدول الصديقة والشقيقة، وربما إجراء تغيير داخل هرم المنظومة السياسية أو الذراع الحزبية كما يحلوا للأغلبية وصفها بذلك).
لكن من المتوقع قبل تشكيل الحكومة الجديدة إجراء تغيير وازن فى القيادات العسكرية بفعل الاستحقاقات القائمة حاليا ( تقاعد خمس ضباط من أصحاب الرتب العالية)، وتحريك بعض الدوائر القضائية واستحداث أخرى ، بعد عزوف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى عن إجراء أي تغيير فى الدوائر القضائية منذ وصوله إلى السلطة يونيو 2019، رغم أن إصلاح القضاء وتعزيز استقلاليته ومكانته، كان من محاور السياسة الحكومية التى تقدم بها للرأي العام عشية ترشحه للانتخابات الرئاسية مارس 2019.
كما يتوقع إقدام الحكومة على فصل عدد من كبار الموظفين المشمولين فى التقارير المقدمة حاليا من طرف المفتشية العامة للدولة، وإحالة بعضهم إلى العدالة، وترقية آخرين كانوا فى الانتظار منذ فترة ودخول آخرين للدوائر الرسمية، عبر آلية تفصل بين الموظفين المكلفين بالتسيير (أصحاب الخبرة والكفاءة) كالأمناء العامين، ومدراء المؤسسات العمومية، والمعتمدين للمعايير ذاتها، مع مراعاة التوازن واصطحاب النظرة السياسية لأي تغيير محتمل فى ديوان الوزير الأول أومستشارى الرئيس، أوالسفراء، والولاة.
ورغم أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى لم يفصح عن مصير كبار معاونيه ورفاقه داخل المؤسسة العسكرية، وأصحاب الثقة لديه (قائد الجيوش العامة الفريق محمد ولد مكت، وقائد الجمارك الفريق الداه ولد المامى) إلا أن منطق الأمور يميل إلى القول بعزوف الرئيس عن أي تمديد آخر لكبار الضباط، رغم أنه صاحب القرار الأول والأخير ولديه السلطة الدستورية المطلقة.
ويعزز هذا الخيار عدم التجديد لرفيقيه وعدد من كبار الجنرالات الآخرين، والموعد المحدد يقترب من نهايته (31 دجمبر 2021)، ووجود قرار سابق بإحالة عدد من كبار الضباط إلى التقاعد من التاريخ ذاته (جنرال وعدة عقداء)، ووجود قيادات عسكرية وازنة تنتظر دورها فى هرم الجيش والحرس والدرك.
وبغض النظر عن امكانية التجديد للرجلين من عدمه، فإن عامل الثقة بينهما مع رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى جد كبير، وإمكانية الاستفادة منهما فى أماكن أخرى أمر وارد، وقد يكون التعديل الوزارى فرصة لذلك، أو ربما بعض الدوائر الأخرى المشمولة بالتغيير المنتظر.
سيد أحمد ولد باب